صُعق العالم كثيراً لما نشره موقع ويكيليكس، الذي صنع شهرته العالمية من خلال نشر وثائق، تجاوزت النصف مليون وثيقة، مسربة عن الحربين القذرتين اللتين شنتهما الولايات المجرمة الأميركية على أفغانستان والعراق.. فقد تفاجئ العالم من هول صدمة ألمت به، وفي ذات الوقت تفاجئ العراقيون والأفغان لتفاهة ما تم نشره والذي لا يعد سوى النزر اليسير مما كانوا يعلمونه، أما كل ما يعلمونه فلن تكفي أوراق الأرض جميعها لتوثيقه! فما تم نشره لا يعد سوى قشور للحقيقية حاول البنتاغون من خلالها التغطية على ما هو أعظم مما خفي من حقائق يعرفها جميع من سكن بين دفتي دجلة والفرات، أو سار في طرقات كابل.
بان اليوم، وبشكل رسمي، الوجه القبيح لحكومة العمائم، التي نصبها على أرض الرافدين من هو أقبح منهم، من خلال هذه الوريقات التي قيل عنها أنها سرية، وبانت من خلالها حقيقة حربهم الطائفية التي كان يديرون دفتها بالتنسيق مع (محررة) البلاد والعباد من الأمن والأمان والحرية والنماء، سيدة الشر أميركا، التي نشرت حرية الموت بكل حارة وشارع، وزرعت شوك الديمقراطية في كل برميل قمامة، وأبرزت إلى الوجود أشهر مزابل التاريخ نتانة، المنطقة الخضراء، التي أخذت روائحها العفنة والكريهة والنتنة، كقاطنيها، تزكم النفوس قبل الأنوف، وريقات ووثائق كشفت صورة الملالي الجدد، أما من كشفها، وكيف، ولماذا، فإليكم الحقيقة الناصعة التي يحاولون حجبها بغربال عارهم وخزيهم..
مخطئ من يظن أن ما قام به ويكيليكس هي صحوة ضمير، ومخطئ من يظن أن أميركا لم تكن بمنأى عن تسريب الوثائق، ومخطئ من يظن أن البنتاغون لا يعرف كيف يحافظ على وثائقه السرية، فأن كان البنتاغون قد تسربت منه من حرب أفغانستان تسعين ألف وثيقة سرية، ومن حربه على العراق أربعمائة ألف وثيقة سرية، فأي بنتاغون أخرق هذا، وأية أجهزة استخبارات هذه!؟
أن ما حدث لا تنطلي تفاصيل حيله حتى على الصغار الرضع الذين لا يفقهون شيئاً من دروس غابات اليوم الموحشة والمتوحشة، فما نشره ويكيليكس ما كان له لينشر لولا أن تم التوقيع على كامل تفاصيله من قبل أوباما نفسه، وبموافقة بوش الأرعن نفسه، ومن قبلهم وزراء الدفاع، والخارجية، ومستشار الأمن القومي، بل وحتى عامل البلدية المختص بقاذورات البيت الأبيض الأسود، ليتم من خلال لعبة تسريب الوثائق التعتيم على ما هو أكبر!
لقد شعر المحتلون بحجم الكارثة التي أوصلوا العراق، وقبلها أنفسهم إليها، وهم يرون بأم أعينهم، بل ويشاركون في كافة التفاصيل، وكيف أن هذا البلد الذي كان يوماً ما ينعم بالصحة والأمان كيف تحول إلى بؤرة فساد، ليحتل المراكز المتقدمة في كل ما هو سيء من خراب إلى إفساد إلى عهر إلى اضمحلال، وليصبح أنموذجاً سيئاً لصورة أميركا الجديدة التي أرادت تصديرها إلى الشعوب الضعيفة، والبلدان التي لا تخضع لسلطتها الفعلية، على أمل سرقة ما على ظهر بسيطتها من أموال وسبائك، وما في باطنها من ثروات ونفائس!
وقد شارك ويكيليكس في هذه اللعبة القذرة بدليل كما يقول مؤسس الموقع (آسانج) أنه يمتلك آلافاً أخرى من الوثائق لن يعرضها، لأنها تتعلق بأمن وسلامة أشخاص ودوائر ومؤسسات، وأتساءل هنا ومعي عشرات الملايين من العراقيين، ومئات الملايين من المسلمين، والمليارات من شعوب الأرض، كيف سمح لنفسه، أن كان هذا الآسانج صادقاً في نواياه، أن يتستر على القتلة والمجرمين أياً كانت هويتهم أو رتبهم، وكيف يتم حماية من ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في الوقت الذي يتم فيه الحكم بالموت على من (يفكر) في خياله استعداء أميركا من قبل القضاء الأميركي نفسه!؟
أن مؤسس ويكيليكس يرفض كشف الحقائق حتى لا يتعرض أهل الإجرام إلى الخطر الذي سيداهمهم أن تكشفت الحقيقة، وبهذا فهو يتستر على ما هو أعظم، ما يجعله شريكاً في الجرم، خصوصاً بعد تأكيداته أنه يمتلك تلك الوثائق التي ستجعل قوات الاحتلال ورموز الخيانة والعمالة في بلاد الرافدين في خطر!
ما أضحكني وكاد يبكيني في ذات الوقت هو موقف الدول الخليجية التي راحت تندد بهذه الحقائق، فيما سارع (العطية) الأمين العام لمجلس تعاون (الخليج الأميركي) ليستنكر تلك الجرائم التي ما كان لها أن تكون لولا مباركتهم لاحتلال العراق، وجعل أرض بلادهم والسماء ممراً إلى بلدنا الذي نحر بسكينهم قبل سكين المحتل، وسُلِم إلى إيران بشخطة قلم من ملوك العهر، وشيوخ العار، وأمراء الحقد الذين لا يزالون إلى الساعة يشاركون في ذبح أبناء هذا البلد بدعمهم لحكومة الملالي الفارسية التي تحكم من المنطقة الخضراء، وآخر أساليب النحر والحقد ضد أبناء هذا الشعب خطوة ملك نجد والحجاز الذي صام عن دعم أبناء الرافدين من خلال وقوفه بالضد من المقاومة والمجاهدين الذين يدافعون عن عرشه وأرض مملكته بدفاعهم عن العراق وأرضه ضد أميركا وإيران، إيران التي باتت على أبواب مملكته اليوم، بل وداخلها شاء أم أبى، صام الملك عن كل ذلك ليفطر أخيراً على بصلة متعفنة، فراح تارة يقلد خائن الجمهورية الطلباني النياشين وتارة يكرم المجرم ضابط المخابرات الموسادي، كما هو والده، مسعود برزاني، الأوسمة المذهبة لخيانتهم العراق وبيعهم له إلى أميركا وإسرائيل وإيران، وليستقبل بذات الكيفية (كتكوت الحوزة) كما يحلو للبعض أن يصفه، عمار الحكيم، وريث سلالة الحقد والخيانة والعمالة من (آل الزنيم)، الذين عاثوا في العراق خراباً وفساداً، والذين كانوا ولا يزالوا يقطرون سموم الحقد على كل ما هو عربي يقف بالضد من فارسيتهم المقيتة، قبل أن يختتمها الملك الذي كثرت تناقضاته بإطلاقه لمبادرة إعادة تنصيب الخونة والعملاء والقتلة والمجرمين بعد موسم الحج على ثرى أقدس أرض طهور، أرض الحرمين الشريفين، التي حرمها الله على المشركين، فكيف أن كانوا مشركين وخونة وعملاء وسفاحين وكلاب نجسة شرسة، فاتحاً بذلك الملك (التليد) بوابة العهر الجديد، والقتل الحميد لأبناء الرشيد!
ثم تأتي الجامعة العربية الأميركية، ممثلة بشخص ربيب السي آي إيه عمرو موسى، لتعلن عن مخاوفها من تأكد فضائح ويكيليكس مطالبين بالتحقيق في مصداقيتها في وقت يدعون المجرمين إلى تصفية الخلافات وتنصيب أحد أبطال الفضائح ليحكم هذا الشعب المكلوم من جديد، فأي عهر هذا، وأي جنون هذا الذي يلبس ردائه أقزام العرب اليوم!؟
لقد نجحت أميركا بفضل بيادقها نجاحاً مؤقتاً في تمرير لعبة ويكيليكس التي أرادتها لغاية قذرة، ونجح المشايخ والأمراء والملوك في تنفيذ أوامر السي آي إيه، وقاموا بدورهم على أكمل وجه، وأفلح قرقوزات مسرح الجامعة العربية في تأدية الدور التمثيلي الذي يبرئ أميركا أكثر مما يتهمها، ونجح أحمد منصور بلا حدود في تلميع صورة ضابط السي آي إيه آسانج الذي برئ أميركا، بل وبرئ ساحة الـ(سي آي إيه) ليهاجم روسيا متهماً إياها بمحاولة تجنيده، ليوجه بذلك لجهاز الاستخبارات الروسي الـ(كي جي بي)، العدو اللدود للسي آي إيه، ضربة إعلامية بطريقة مخابراتية فنية، لاحظها كل من تأمل في كلمات السيد آسانج المتحفظ على وثائق تدين الولايات المتحدة وتكشف عورتها وتحرج جيشها في العراق وأفغانستان.
لقد أخفت قشور ويكيليكس فضائح أكبر تتعلق بجرائم يندى لها جبين التاريخ قبل جبين الإنسانية، جرائم لا يلبس عليها عقال كما يقال، يعرف حقيقتها القاصي والداني في أرض الفراتين، ووصلت أصداؤها إلى مشارق الأرض ومغاربها عبر الأشخاص وليس الإعلام الذي يتكتم عليها، واسأل السيد آسانج هنا هل تطرقت الوثائق إلى جرائم المحتلين في معركتي الفلوجة الأولى والثانية وما تلاها من وقائع وأحداث، وهل تطرقت إلى استخدام المحتل لأسلحته المحرمة دولياً، بضمنها وليس آخرها، الفسفور الأبيض، وهل تطرقت إلى القصف العشوائي للمدن والأحياء السكنية، وهل تطرقت إلى محاصرة مدن بأكملها وإماتة أبنائها جوعاً وخوفاً، وهل تحدثت عن مجازر حديثة والإسحاقي والنهروان واليوسفية وبعقوبة، وهل تحدثت عن انتهاك الأعراض والحرمات والأديان، ولماذا تجاهلت وثائقك عبير الجنابي ومأساة عائلتها، وصابرين الجنابي ونكبتها، وفاطمة التي حملت في أحشائها أجنة المحتلين قبل جنونهم، ولماذا أغفلت واجد العفرية، أم ترى وثائقك قد تناست الزنجلي وبيوتاتها التي سويت سقوفها على رؤوس ساكنيها، وتلعفر والقائم وبحيرة حديثة والرمادي وما حدث فيهن من قتل عشوائي، وأن تناست وثائق السيد آسانج كل هذا وذاك هل بإمكانها أن تتجاهل أكثر من مليوني عراقي قتلوا على يد المحتل، أو من خلاله، أو بتوجيه منه، وكيف لهذه الوثائق أن تتناسى وأد فرحة الأم المكلومة بصغارها، والعروس المفجوعة بعريسها، والأب الذي قضى نحبه قهراً على فلذات أكباده، ولماذا تجاهلت وثائقك سيد آسانج مأساة ملايين المهجرين على يد جنود الاحتلال وأعوانهم في الداخل والخارج، ولماذا صمتت وثائقك عن آلام مليون أرملة، وخمسة ملايين يتيم سيشكلون يوماً جيشاً جراراً من المنتقمين والثائرين على الطغاة، وسيلاحقونهم إلى عقر دارهم، وكيف لوثائقك هذه أن تغفل عن هدم المساجد والقباب والمآذن وقتل المصلين والحجاج والمعتمرين، ولمصلحة من تكتمت وثائقك عن اغتيال العلماء والكفاءات والمواهب والصحفيين والإعلاميين الذين قالوا كلمة الحق في زمن السكوت، وكيف تجاوزت وثائقك تلك الجرائم التي لا يمكن لها أن تُصدق عن أعداد هائلة من النساء المعتقلات في زنازين مشتركة مع الرجال وكيفية تم اغتصابهن على يد المحتلين بمساعدة من القوات الحكومية التي كان أفرادها هم من يقومون بتكبيلهن، حتى الصغيرات منهن، ليقوم الخنزير المحتل باغتصابهن بالتناوب عليهن مع كلاب آخرين يقومون بنهش لحمهن، بمساعدة ضباط وعناصر الشرطة والجيش الحكومي في داخل الزنازين الأميركية!
أن الوثائق، على قِلتها رغم كثرتها، التي نشرها موقع ويكيليكس عن فضائح أعضاء حكومات العمائم القبيحة التي تعاقبت على حكم بلد الرشيد بعد الاحتلال، وفضائح أركانها، ودعاماتها، وأدواتها من شرطة إلى جيش حكومي لتميط اللثام عن أستفهامات كثيرة، لا يزال كثير منها بلا جواب، عن طريقة التعامل مع من انخرط في مشروع المحتلين، سواء أكان عراقياً، أو مرتزقاً، أو سياسياً خائناً!
فيا ترى ما قول اليوم أولئك الذين يحرّمون استهداف القوات الحكومية وبقية الأجهزة الأمنية الطائفية التي كانت أشد فتكاً بالعراقيين من المحتلين أنفسهم، بشهادة هذه الوثائق المنتقاة، وماذا ستقول الجهات التي( تحرّم الدم العراقي) حتى لو كان ذلك (العراقي) مجرماً، قاتلاً، منتهكاً لأعراض بني جلدته وبني دينه، أو من عناصر الردة، ممن انخرطوا في مشروع الصحوات الذي أجّل هزيمة المحتل إلى سنوات إضافية أخرى، ما كان لها لتطول لولا خيانتهم وعمالتهم ومحاربتهم لأهل الجهاد طيلة السنوات الماضية، بعد أن كاد المحتل يعلن استسلامه وهزيمته منذ العام ألفين وستة!
وماذا ستقول بعض فصائل المقاومة التي تحرم أستهدف الأجهزة الحكومية الأجيرة والعميلة، بل وتقاتلت مع الجماعات الجهادية التي أخذت على عاتقها قتال القوات الحكومية بحجة استباحتها للدم (العراقي)، وما هو بعراقي، وكيف له أن يكون عراقي وهو باع العراق وأهله من أجل دولارات بخيسة ملطخة بدماء العراقيين!
ماذا سيقول عناصر الشرطة والجيش الحكومي الذين دخلوا إليهما بحجة وذريعة الخوف من الموت جوعاً، مع أننا لم نسمع يوماً أن هناك من مات جوعاً في بلاد الرافدين، حتى في أشد سنوات الحصار العجاف والاحتلال فتكاً، ولكنها الذريعة للانحلال من الأخلاق، وللانخراط في سلك العمالة ودرب الخيانة بحجة البحث عن رغيف الخبز الذي وكأنه أنحسر وجوده إلا تحت ظلال بنادق الأجهزة الحكومية التي يقودها المالكي ويشرف عليها فيلق القدس الفارسي، متناسين أن الحرة تموت ولا تأكل بثدييها!
وماذا ستقول يا ترى الأنظمة العربية التي سارعت لدعم الهالكي بكل الطرق والوسائل، فراحت تستقبله في مطاراتها استقبال الفاتحين، وترسل له السفراء والقناصل والممثليات لتُثبّت قاتل أبناء جلدتهم على كرسي العمالة الذي يجلسون جميعهم عليه، غير عابئين بالخطر الداهم المحدق بأمة الإسلام بسبب هذا الوغد وبقية رموز النظام الفارسي الجديد الذي يحاول أن يحل بديلاً للشرق الأوسط الصليبي القديم!؟
ويا ترى ماذا سيقول أولئك الذين سمحوا أن تضرب فصائل الجهاد في عقر دار المناطق السنية، ليشعروا بعد ذلك بخزي الدنيا، وهوان العيش، وذل المهانة بعدما اُكلوا يوم سمحوا، بل وساعدوا في أن يؤكل الثور الأبيض في ذلك اليوم الأسود، فعاشوا تحت بطش صحوات العار والخزي والنفاق، وسياط المليشيات، وغدر فرق الموت، وقوات الذئب والعقرب والأفعى والضبع والثعلب، بعد رفعة الرأس التي كانوا يعيشونها بوجود المجاهدين بينهم لحمايتهم، ورد الشر عنهم، والذب عن دينهم!؟