(شبكة الرحمة الإسلامية) – وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا
[الكاتب : الشيخ أبو محمد المقدسي – حفظه الله]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ..
فإن الخلافة والإمامة من المناصب المهمة والعظيمة الشأن عند أهل الإسلام التي لا زال يتطلع المخلصون من أهل الإسلام إلى إعادتها وإقامتها، وبلغ التطلع بهم إلى أن شط قوم منهم لاستعجالهم بالخلافة وتنصيب الخليفة، فجعلوا الإمام القوام على أهل الإسلام شخصاً لا سلطة له ولا سلطان قد أوى إلى لندن ودعوا الناس إلى بيعته وأثَموا من لم يبايعه .. وآخرون اختصروا الأمر بادعاء المهدية في بعضهم، وهذه لا شك صورة من صور البحث عن خليفة راشد يسلم له الناس قيادهم ..
وهذه المحاولات وأمثالها كانت ولا زالت تأتي مقحمة لشخص ما؛ لا مكان له على أرض الواقع بين عموم المسلمين وإنما هو مسمى ومنتخب من جماعته ومجموعته ولا اختيار له من أهل الحل والعقد الفعليين في الأمة وهم علمائها الربانيين؛ كانت دوما تؤول إلى زوال واضمحلال دون أن يصيب المسلمين شيء من الإحباط أو التشويه لهذا المنصب العظيم في صدورهم ..
أما أن تأتي جماعة يغلب عليها الخطاب المغالي، والنهج الإقصائي الإستئصالي لكل مخالف، وعدم الإعتبار لعلماء الأمة وكبرائها، وتدعي رغبتها بتحكيم الشرع على الأمة ولما تقبل هي بالتحاكم إليه في الخصومات والدماء والأموال مع الآخرين ! ثم تتغلب على بعض النواحي من ديار المسلمين، وقبل أن تستتب لها الأمور ويجتمع عليها الناس والعلماء الفضلاء حتى في تلك البلاد تعلن وجوب بيعة خليفتها الذي سمته على المسلمين في كافة أنحاء العالم ووجوب هجرة المسلمين إليه وإثم من لم يفعل ذلك .. حتى برزت عندنا الحاجة إلى فتاوى كنحو فتوى الإمام مالك في بطلان طلاق المكره وبيعته، فقد وردت إلي أسئلة من نساء خيرهن أزواجهن بين بيعة هذا الخليفة أو الطلاق، فقلت بايعن إن كنتن تكرهن الطلاق، وهذه بيعة مستكره غير ملزمة، فمعلوم كلام الإمام أحمد في حد الإكراه للمرأة من قبل زوجها بأنه يصح لو هددها زوجها بالطلاق .. وإنما أفرز مثل هذه الأسئلة والفتاوى تعنت المتعنتين وتضييقهم على المسلمين وترهيبهم بسيف التأثيم والتكفير وزادوا مع النساء التهديد بالتطليق ..
والأخطر عندي من هذا الطلاق؛ وهو ما دعاني لكتابة هذه الكلمات ما رتبوه من الطلاق بين أفراد المجاهدين وجماعاتهم وقياداتهم وما سينشروه من بلبلة للصفوف وزعزعة للبنيان حين قال ناطقهم الرسمي : ( ورسالة إلى الفصائل والجماعات على وجه الأرض كافّة، المجاهدين، والعاملين لنصرة دين الله، والرافعين الشعارات الإسلامية، فإلى القادة والأمراء نقول: اتقوا الله في أنفسكم، اتقوا الله في جهادكم، …إننا والله لا نجد لكم عذرًا شرعيًّا في التخلّف عن نصرة هذه الدولة ) وقال : ( وأما أنتم يا جنود الفصائل والتنظيمات؛ فاعلموا أنه بعد هذا التمكين وقيام الخلافة: بطلت شرعية جماعاتكم وتنظيماتكم، ولا يحل لأحد منكم يؤمن بالله: أن يبيت ولا يدين بالولاء للخليفة ) اهـ.
فتأمل كيف يبطلون جهاد المجاهدين ويحرضون الأتباع على المتبوعين والطلبة على الشيوخ .. أي مؤامرة هذه لشق صف المجاهدين وتقويض صفوفهم وتوهين بنيانهم ..
فنقول لإخواننا الدعاة والمجاهدين في شتى أنحاء المعمورة استمعوا لقول الله وندائه واضربوا بما خالفه عرض الحائط ..
قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم )) وقال تعالى : (( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا )).
فالتفوا حول قياداتكم ورؤوسكم وكبرائكم ولا تستخفنكم دعوات المشرذمين لصفوف المسلمين الذين يرون أن لا حق اليوم إلا معهم وكل من ليس معهم فقد صيروه عدوا ..
حتى استعملوا ولا زالوا يستعملون – لا أدري عن عمد أم من حماقة أم استغفال – في تحقيق أركان مؤامرة شنيعة على هذا التيار المبارك خاصة وعلى أهل الإسلام عامة .. متلبسين بلباس المشروع الإسلامي الأصيل! ولذلك اغترت بهم طائفة من أبناء هذه الأمة، لا أشك في إخلاص كثير منهم وعاطفتهم الإسلامية، لكن أشك برجاحة عقولهم ودقة فهمهم وعلمهم .. فالعاقل لا يخفى عليه أنه بسبب تعنت قيادات هذا التنظيم وسطحيتها وتعجلها وقصر نظرها ورفضها الاستهداء بهدي علمائها الذين تربوا على كتاباتهم ولا زالوا يدرسونها؛ وربما بسبب اختراقهم من المنحرفين والغلاة أو غيرهم نفذت ولا زالت تنفذ مؤامرة على هذا التيار بشعب متعددة منها :
– تصفية المخالفين لهم من قدماء المجاهدين وخيارهم ممن يعول عليهم في قطف ثمار الجهاد في سوريا لتبقى الساحة يعيث فيها المتعنتون والجهال أوالحمقى والمغفلون .
خلا لك الجو فبيضي وأصفري star.gif ونقري ما شئت أن تُنقّري
– إسقاط رموز التيار الجهادي وعلمائهم كونهم لم ينساقوا مع اختيارات هذا التنظيم ولا أيدوا تعنته وتجاوزاته وشذوذاته .
– حرف بوصلة التيار وتشتيت دائرة صراعه مع الطواغيت وتحويل البندقية من صدور أعداء الأمة إلى صدور أبنائها من خلاصة المجاهدين أو من عموم المسلمين بدعاوى ومعاذير وتعميمات مختلفة لا يُسلم لهم بها .
– تشتيت الناس وصرفهم عن المشروع الإسلامي وحرق أي حاضنة شعبية محتملة وصد أي أنصار من عموم الأمة عن هذا التيار بسبب سوء الممارسة والتطبيق على أرض الواقع وسوء التعامل مع الناس على مختلف طبقاتهم وأديانهم .
– تشويه مشروع الخلافة والدولة الإسلامية في صدور الناس بممارساتهم وتعنتاتهم وغلوهم وسفكهم للدماء مما قد يصد الناس عن هذا المشروع مدة من الزمان بعد فشل تجربتهم المحوطة بالسلبيات والتجاوزات والمخالفات .
– وزادوا بإعلانهم الأخير المذكور أعلاه: العمل على شرذمة صفوف العاملين لهذا الدين وشق صفوف المجاهدين وإبطال جماعاتهم العاملة لدين الله وتأليب أتباعها على أمرائهم وطلابها على مشايخهم!
فهل رأيتم أشأم من هذه الثمرات على هذا التيار وعلى أبنائه بدعوى بناء الخلافة !؟ وهل بناء الخلافة في بقعة من الأرض يستلزم هدم الدعوة والجهاد في سائر البقاع بتشتيت وشرذمة جماعات المجاهدين وتأليبهم على مشايخهم في شتى الميادين !؟
إنها مؤامرة أخرى على هذا التيار المبارك وجماعاته المخلصة؛ ملخصها : إما أن تكونوا معنا وإما أن نبث الفرقة في صفوفكم؛ ونعمل على تشتيت صفكم؛ وهي طريقة يستعملها الفوضويون في بلادنا حين يفرضون أنفسهم على الآخرين في اللعب فتجد أحدهم يقول : ( لعّييب أو خرّيب )؛ يعني إما أن يفرض نفسه ويقبل لاعبا أساسيا أو أنه سيخرّب اللعبة؛ هذه الأخلاق تليق بأولاد الشوارع لكنها لا تليق بتاتا بمن ينتسب إلى الدعوة والجهاد ..فكيف إذا كان الخيار الذي يفرضه هؤلاء بين أن يترأسوا هم اللعبة ويوجهونها بحسب هواهم وجهالاتهم وتعنتاتهم؛ أو يخربونها ويفسدونها !؟؟ أو بمعنى آخر : هم أو الطوفان .
والحقيقة أن هذا هو أخطر ما في إعلانهم الأخير؛ فإني كما قلت سابقا؛ لا يضيرني أعلنوا الخلافة في الشام أو في العراق أو في لندن !!
ولكن الذي يضيرني ما سيرتبه وقد رتبه هؤلاء من آثار ومآلات على هذا الإعلان ؟؟
فلسنا أعداء للخلافة بل نحن من خواص أنصارها ودعاتها والعاملين لإقامتها والساعين لإرجاعها؛ ولكن الخلافة مشروعة لحفظ بيضة المسلمين ولم شعثهم لا لشرذمتهم وتشتيت صفوفهم؛ وكذلك الإمام فهو كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ( .. جنة يقاتل من ورائه ويتقى به) رواه مسلم، فهو جنة ووقاية للمسلمين من كل شر لا داعية للشر مستجلبا له..
والخلافة يجب أن تكون ملاذا وأمنا لكل مسلم .. لا تهديدا ووعيدا وتخويفا وفلقا للرؤوس ..
لقد أبطلوا بيعتهم الأولى لقيادتهم وتمردوا على أمرائهم، وتطاولوا على كبرائهم حين أعلنوا الدولة الأولى، وحين أعلنوا الثانية سفكوا الدم الحرام ورفضوا التحاكم للشرع، ولذلك حق لنا أن نتساءل ماذا عساهم يفعلون بعد إعلان الخلافة ؟؟
إن أخطر ما فعلوه حتى الآن الدعوة إلى شرذمة المسلمين والعمل على شق صفوف جماعاتهم المجاهدة والدعوية بعدما شقوا عموم المسلمين بين من هو معهم ومن هو ضدهم ولم يرحموا ضعفهم ولم يعذروا من اصطف مع غيرهم من الجماعات في سوريا بل كل من خالفهم فإما غادر ناقض لبيعتهم أو سلولي أو سروري أو صحواتي أو يساند الصحوات أو يحب الصحوات أو يتصور ويتمشى ويسير مع الصحوات وهكذا .. وهم على شفا أن يقتلوا من لم يبايع، ونسب إليهم التهديد بسبي نساء المخالفين !! وهذا لم يثبت بعد عندنا ولو ثبت لكان لنا معهم فيه حكاية أي حكاية ونحن نعيذ نساء المسلمين بالله من شر كل باغ وطاغ.
وهم يعلمون اليوم حين يدعون إلى حل الجماعات لبيعتهم والهجرة إليهم؛ أن في أكثر الجماعات سطحيون؛ وأكثر السماعين لهم من هذا الصنف ومن صنف الغلاة أيضا .. والذين يغلب حماسهم وشدتهم حكمتهم وحلمهم وتبصرهم، ويفوق جهلهم علمهم؛ وهم يبنون آمالهم ويديرون وقود معاركهم على هؤلاء لانفضاض الحكماء والعلماء وأولي الألباب عنهم ..
ومن ثم فحقيقة دعوتهم لنقض بيعة الجماعات تفتيت للتيار الجهادي وشرذمة لجماعاته وشق لصفه وهذا ما يجعلنا نتطلع إلى ما وراء الأكمة ولا نأخذ مسلكهم بسذاجة العوام وسطحيتهم .. فقد صار حالهم من قبل إعلان الخلافة: إما معنا أو ضدنا؛ فكيف سيصير بعدها ..؟
إن الخلافة يجب أن تكون ملاذا للمسلمين وجنتهم المفقودة التي يبحثون عنها فلا تجعلوها نارا عليهم ولا تزيدوا إحباطاتهم ..
وهي حلم المسلمين الذي يسعون لتحقيقه فلا تشوهوا هذا الحلم الجميل بطلقاتكم التي تفلق رؤوس المخالفين وتخرج ما فيها !! بل حققوه إن شئتم بالرحمة للمسلمين ونصرة المستضعفين فإنكم مرتحلون كما ارتحل غيركم فأبقوا الذكر الحسن لا التشويه، وساهموا في البناء الذي ستقوم عليه أركان الخلافة الإسلامية الراشدة لا الباغية الظالمة والمتعنتة، وساهموا في لم شمل أهل الإسلام وجماعاتهم لا في شرذمتهم؛ وساهموا في نصرة المستضعفين ورفع الآصار عنهم لا في زيادتها؛ وساهموا في حقن دماء المسلمين لا في إسالتها ..
روى الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن أبي هريرة مرفوعا : ( .. ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشا من مؤمنها ولا يفي لذي عهدة عهده فليس مني ولست منه )
قال الخليفة سليمان بن عبد الملك للتابعي سلمة بن دينار المدني الزاهد: يا أبا حازم، ما تقول فيما نحن فيه ؟ قال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين ؟ قال : بل نصيحة تلقيها إلي .
قال : إن آباءك غصبوا الناس هذا الأمر فأخذوه عنوة بالسيف من غير مشورة ولا اجتماع من الناس، وقد قتلوا فيه مقتلة عظيمة وارتحلوا فلو شعرت ما قالوا وقيل لهم، فقال رجل من جلسائه: بئس ما قلت !
قال أبو حازم: كذبت إن الله تعالى أخذ على العلماء الميثاق ليبيننه .
أي والله : ارتحلوا فلو شعرت ما قالوا وقيل لهم ..
وإذا أنبت المهيمن للنمل star.gif جناحا أطارها للتردي
ولكل امرئ للناس حد star.gif وهلاك الفتى جواز الحد
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: .(… وإنما الإمام جُنّة؛ يُقاتل مِن ورائه ويُتّقى به) رواه البخاري.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ولا زال إمام المسلمين بل إمام الدنيا ولم تكن إمامته لتفرق المسلمين وتشرذمهم بل كانت توحدهم؛ ولم تكن لتفلق رؤوس المعصومين بالرصاص أو تشطرها بالسيوف لتستخرج ما فيها، بل لتحفظ تلك الرؤوس وما فيها وتطورها وتنميها وترتقي بها إلى معالي الأمور وتترفع بها عن سفسافها، حتى إن الجماعات المقاتلة التي لم تسمح لها الظروف ببيعته صلى الله عليه وسلم والدخول تحت ولايته السياسية كتجمع أبي بصير في زمن صلح الحديبية، وكذا العاملون ضد الأسود العنسي بعد انقلابه على عامل النبي صلى الله عليه وسلم في اليمن، ما دعي أحد من هؤلاء إلى إبطال جهاده والهجرة القصرية وترك ميدان عمله وجهاده؛ ولا أثموا أو هددوا أو شرذموا أو حلت جماعاتهم بل بقيت عاملة حتى تيسر لها النصر أو اللحوق بدار الإسلام .
وكذلك هو الشأن في أزمنة الخلافة لم تكن الخلافة قط منصبا يعمل على إبطال جهاد المجاهدين أو شرذمتهم أو دعوتهم للانقلاب على مشايخهم ورؤوسهم وعلمائهم في البلاد التي خرجت أو انشقت عن الخلافة؛ بل كان أمثال هؤلاء العلماء يدعون إلى الثبات على نهجهم ويدعمون من قبل الخلافة ويراسلون ولا يطلب منهم ترك ساحات جهادهم وحل جماعاتهم ولا يؤثم من لم يفعل ذلك، والتاريخ قد مجد وسجل ثبات طوائف من أهل الإسلام برؤوس وعلماء في بلاد انفصلت عن الخلافة وخرجت عن حكمها وبيعتها ودخلت تحت حكم العبيديين أو التتار أو الصليبيين ..
ولذلك فنحن نحذر عامة المسلمين وخاصتهم من الاستجابة لدعوات شق الصفوف وزعزعة البنيان وشرذمة المجاهدين وندعوهم بأن لا يتضرروا بالترهيب الفكري أو المعنوي أو الحسي الذي يبثه دعاة التشرذم وأن يبقوا على العهد ثابتين وحول قياداتهم ملتفين ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله ..
وأختم بهذه التنبيهات :
– يقول إمام الحرمين في كتابه غياث الأمم في التياث الظلم: ( فإذا شغر الزمان عن إمام وخلا عن سلطان ذي نجدة وكفاية ودراية فالأمور موكولة إلى العلماء وحق على الخلائق على اختلاف طبقاتهم أن يرجعوا إلى علمائهم ويصدروا في جميع القضايا والولايات عن رأيهم فإن فعلوا ذلك فقد هدوا إلى سواء السبيل وصار علماء البلاد ولاة العباد، فإن عسر جمعهم على واحد استبد أهل كل صقع وناحية باتباع عالمهم وإن كثر العلماء في ناحية فالمتبع أعلمهم)اهـ وهذا أضعف ما عند المعلنين عن الخلافة اليوم فإنه لم يؤيدهم على ما هم عليه ولم يوثقهم أو ينحاز إليهم عالم واحد من العلماء الربانيين الذين ينتسبون إليهم عقيدة ومنهجا ومرجعية وفكرا .. فليفكر اللبيب في هذا وليتدبره العاقل جيدا؛ لماذا فقد هؤلاء القوم ثقة العلماء الذين تعلموا على رسائلهم ودرسوا كتاباتهم؛ حتى تخلوا عنهم ولم يؤازرهم منهم أحد ؟!! وهم علماء لا تأخذهم في الله لومة لائم .. فلا بد من جواب .
– إن الخلافة لا تتحقق بالدعوى والتسمية ولا بالنية والأمنية بل بالتطبيق على أرض الواقع؛ وعندما سمى عمر أبا بكر خليفة لم يصر خليفة بمجرد هذه التسمية؛ بل لم يصر خليفة فعليا إلا بعد أن بايعه جمهور الصحابة واستتب له الأمر بينهم دون منازع ..فكل أمير لا تدين له جماعة المسلمين وخواص أهل العلم من العلماء الربانيين بالولاء فهو أمير جماعة أو أمير إمارته وليس بأمير للمؤمنين عامة أو خليفة للمسلمين كلهم ولا يصح تأثيم من لم يبايعه أو يهاجر إليه، وإن عزوف خواص أهل العلم الثقات عن تأييد مثل هذا المسمى الموسوم بالخلافة من غير رهبة ولا رغبة ليدل على أنه وجماعته ليست محل ثقتهم في الدين والدنيا .
– لا بد أن يقال بأنه لو لم يوجد غير هذه الجماعة في الساحة؛ لدفع هؤلاء العلماء علمُهم إلى تأييد أميرها لأنهم مطالبون بتأمير الأمثل، فلا شك أن هؤلاء أمثل من الطواغيت والحكام المرتدين؛ أما والساحة تمتلئ بالجماعات المقاتلة المنافسة التي يوازي بعضها هذه الجماعة بالقوة و يساميها بالعدد ويفضلها في النهج والقيادة ..فلا يجب تقديم المفضول على الفاضل ..
– أخيرا نحن لا نرضى لأنفسنا أن نبقى لا شغل لنا إلا الكلام في جماعة الدولة، ولا نحب أن يفرح أعداؤنا بكلامنا حين نتكلم، أو تذهب بهم الظنون إلى أننا نصطف في صفوفهم التي حقيقتها أنها ليست ضد جماعة الدولة بل ضد مشروع الدولة والخلافة الإسلامية الحقيقي، فلا نحب أن يفرح هؤلاء بما نكتب، فليس لأجلهم نكتب ومعاذ الله أن يوجد اتفاق أو مشروع تبادل مصالح مشتركة بيننا؛ وإنما هذا الذي نقوله ونكتبه يوجبه علينا ما حملناه من أمانة العلم والتبليغ وقول كلمة الحق ونصرة أهله وجماعاته، ثم بعد ذلك لا يهمنا من أعجبه كلامنا ومن سخطه، ومن طابت به نفسه ومن شرق به حلقه، ولو كنا نبحث عن رضا الناس عنا ونراعي التقديم والتصدير والتبجيل فيما نكتب أو نقول، لركبنا موجة الدولة فلطاروا بنا كل مطير ولرفعونا فوق الأكتاف بل فوق السحاب، ولكنا قدمنا على ذلك نصرة الحق وآثرنا ركوب موجته مهما كانت صعبة وشاقة ولن نتخلى عنها أو نتركها ولو جعلونا تحت التراب أو فلقوا رؤوسنا بالرصاص واستخرجوا ما فيها !!..
ولكن المعضلة أن جماعة الدولة ورؤوسها وناطقها يطلعون علينا كل يوم بما يضطرنا للرد عليهم ولولا ذلك لاكتفينا بالبيان وتأكيده، فالحرب ليست معلنة على جماعة الدولة من طرفي أنا على الأقل؛ وإنما هو الحق أنصره وأدلي به عند الحاجة إلى ذلك، فلا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه؛ وهم من يحوجنا إلى ذلك في كل مرة فلا يسعنا السكوت .
اللهم إنا نسألك الهدى والسداد والثبات وحسن الختام وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ..
وكتب أبو محمد المقدسي
13 رمضان 1435هـ
المصدر: منبر التوحيد و الحهاد