شبكة الرحمة الإسلامية) – السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد)
فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله غيره، وأصلي وأسلم على رسوله الضحوك القتال …
يقول الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، إعلموا يا إخواننا، يا من أنتم خلاصة أهل الإسلام وعزهم وتاج رؤوسهم، أن الله تعالى يخاطبكم في هذه الآية كما خاطب بها المؤمنين في كل زمان ومكان، وهو يطلب منكم طلباً حتما أن تتحدوا جميعاً، وتحققوا ولاية المؤمنين لبعضهم تحقيقاً واقعياً حقيقياً، وعلل ذلك وربطه وقابله بكون الكفار يفعلونه فأنتم أولى به، فكما أنهم ألب عليكم يتولى ويظاهر بعضهم بعضاً عليكم.
وها هي اليوم قد اجتمعت جموع الرفض والباطنية، وجموع طواغيت الردة وأئمة الكفر من عرب وعجم، كلهم قد حشدوا جموعهم وإمكاناتهم وإعلامهم للتآمر عليكم وعلى جهادكم، كل همهم أن لا تنتصروا، لأن في انتصاركم رفع لأنقى راية في الوجود وأبغضها إليهم؛ وهي راية التوحيد، فهم مع هذه الراية كما وصفهم الله تعالى (ذَٰلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) …
ولأن في انتصاركم تحكيم لأطهر شرع وأكرهه إليهم: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) ، إذ هم كالجعل الذي يتأذى بشذى المسك الفواح ويعجبه بل يستمتع بالنتن والقذر في المستراح ..
وها هي اليوم قد اجتمعت جموع الرفض والباطنية، وجموع طواغيت الردة وأئمة الكفر من عرب وعجم، كلهم قد حشدوا جموعهم وإمكاناتهم وإعلامهم للتآمر عليكم وعلى جهادكم، كل همهم أن لا تنتصروا، لأن في انتصاركم رفع لأنقى راية في الوجود وأبغضها إليهم؛ وهي راية التوحيد، فهم مع هذه الراية كما وصفهم الله تعالى (ذَٰلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) …
ولأن في انتصاركم تحكيم لأطهر شرع وأكرهه إليهم: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) ، إذ هم كالجعل الذي يتأذى بشذى المسك الفواح ويعجبه بل يستمتع بالنتن والقذر في المستراح ..
وها هم يتآمرون عليكم وعلى جهادكم على كافة الأصعدة، وهاهم يجتمعون في مؤتمر (ومؤامرة) جنيف2، ليمكروا بجهادكم ويجهضوه، ودول الجوار من حولكم لم تكف منذ البداية عن التآمر والمكر بكم، وهذا كله يوجب عليكم لزاما التوحد تحت كلمة التوحيد، إذ أنتم أولى بالإتحاد منهم، لأنكم ترجون من الله ما لا يرجون، ومن ثم فأنتم أولى بالترفع عن حظوظ الأنفس والخصومات التي تؤدي إلى التشرذم والشتات والفشل وذهاب الريح ..
فالواجب أن تتوحدوا حالا تحت قيادة واحدة من مجاهدي سوريا، لأن المعركة التي تخوضونها اليوم في ظل التآمر الدولي عليكم لا يقدر على حسمها فصيل واحد منكم، بل تحتاج إلى الاتحاد والتحالف، لا أقول من قبل الفصائل التي تتوافق على تفاصيل المنهج الحق وحسب، بل من كافة الفصائل المسلحة التي تقبل بتحكيم الشريعة غاية وهدفا، حتى لو كان في صفوفهم من عوام الناس وضعاف الإيمان وحديثيه من كان، هذا هو الواجب لأنكم في جهاد دفع، وجهاد الدفع شرطه أوسع ويتوسع ويتساهل فيه ما لا يتساهل في غيره، وإن شئتم فتأملوا غزوة أحد حين قدم الكفار إلى المدينة كيف دعي إلى جهاد الدفع حتى المنافقين فقال تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا)، فمن قاتل معكم في سبيل الله فهم الأصل والخلاصة، ومن قاتل ليدفع عن نفسه وعياله وماله فحيّ هلا به، يسعه القتال ولا ينبغي أن يمنع من أداء ما عليه، وهكذا ينبغي أن يوسع المجاهدون أفق تفكيرهم في مثل هذه النوازل ولا يضيقوا أو يحجروا ما وسعه الله في مثل هذه الظروف، وعليهم استيعاب جميع الناس في جهادهم، وليس خلاصة المجاهدين الذين يرفعون الراية نفسها وحسب .. ومن كان عقله وفقهه لا يستوعب ذلك فهو غير مؤهل لقيادة جموع الأمة وحكم شعوبها .. نقول هذا والألم يعتلج في صدورنا من تشرذم فصائل المجاهدين وتعنت بعضهم وأنانيتهم التي تقدم مصلحة الأسماء والتجمعات على مصلحة الإسلام والمسلمين..
وإن المتابع لبعض هذه التجمعات ليرى أن عقليتهم لا زالت حتى هذه الساعة تتعامل مع الجهاد لا بعقلية التجارة المنظمة والتي وجهنا الله إليها في سورة سماها (الصف) لا الصفوف، فقال في أولها : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) وقال في آخرها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، فلا زال بعض المجاهدين لا يستوعبون هذه الصورة الواسعة الشاملة الكاملة للجهاد، ولا تحتمل عقولهم التجارة الربانية التي وجهنا القرآن إليها .. بل يتعاملون بعقلية البائع المتجول الذي يتعامل مع الزبون أو المشتري على أنه مشتر لمرة واحدة، لذلك لا تهمه أخلاقيات التجارة الربانية، ولا تهمه الإساءة أو الإحسان للناس، ولا يتعامل معهم معاملة تكسبهم ليصيروا زبائن دائمين وأنصارا لهذه التجارة، وهذه العقلية قد أنتجت لنا أو أعانت وساعدت على إنتاج الصحوات وما في معناها في أكثر من ساحة من ساحات الجهاد، فكفانا استنساخا وتكرارا لها …
إن عقلية البائع المتجول لا تفكر إلا بالكسب الآني السريع، ولا يهمها أن تمكث تجارتها وتتجذر في الأرض، ولو كانت تفكر بذلك لسعت لإشراك الأمة كلها في مشروعها وتجارتها، ولجعلت جل همها في كيفية إدماج الأمة وصهرها في هذه التجارة، وهذا هو النجاح الحقيقي، وعند هذا النجاح سنرى إن شاء الله إرهاصات الفتح والنصر المبين، هذا ما ينقصنا اليوم؛ مجاهدين يتعاملون مع الناس لا كزبائن دائمين وحسب في تجارتهم؛ بل كشركاء حقيقيين، وهذا يقتضي منا التعامل مع الأمة جمعاء بالرحمة التي عاملها بها رسولنا صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالحون.. أما عقلية البائع المتجول الذي لا تهمه سمعته لأنه يتعامل مع الناس كزبائن لمرة واحدة، ولذلك فليس من أولوياته الرحمة ولا الإلتزام بأخلاقيات التجارة الربانية لأنه متجول وقد وطن نفسه على أنه سيجد في الأحياء الأخرى زبائن غيرهم، ولا يهمه تثبيت تجارته في الأرض، فلا تليق بالمجاهدين ولا تصلح لإقامة دين الله في الأرض …
وإذا كان البائع المتجول لا يهمه ذلك كله لأنه لا محل له ثابت ولا اسم يخاف عليه ولا عنوان، فإن بعض الجماعات اليوم لا زالت تتصرف بذهنية وعقلية البائع المتجول نفسها الذي جلّ همه حصاد بعض المكاسب في آخر النهار، ويقدم هذه المكاسب الآنية الصغيرة على تجارة تسعى لإقامة دين الله والتمكين لأهل الإسلام .. مع أن لها أسماء معروفة وألقابا عريضة وعناوين ويافطات، أفلا تتقي الله في أسمائها وجهادها ومجاهديها ؟!
إن الامة اليوم تمر بظروف عصيبة، وإن المؤامرة عليها وعلى دينها وعقيدتها كبيرة وخبيثة، فعلى الجماعات المجاهدة أن تتحمل مسؤولياتها أمام الله، فإنها ستسأل عن دماء المجاهدين والشهداء، وسيكتب عليها تعنتها ورفضها الإندماج والإتحاد مع إخوانها المجاهدين وإعراضها عن الإستجابة لنداء مشايخها ومرجعياتها، وستصير دون شك قدوة سيئة ومثلا مشوها بين أهل الجهاد.
وأختم مذكرا بما ختم الله به الآية التي استفتحنا بها رسالتنا وهي قوله تعالى : (إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، فالله يدعوكم إلى التوحد تحت كلمة التوحيد، لأنكم أولى بالإتحاد من الكفار الذين بين في أول الآية أن بعضهم يتولى بعضا عليكم، فأنتم أولى بالتوحد والتوالي منهم، لأنكم أبعد وأرفع عن حظوظ الدنيا والنفس منهم، وقد وسع الله تعالى عليكم في الإتحاد وجعل لكم في سياسة النبي الشرعية ما يفيدكم ويوسع مدارككم وأفهامكم واختياراتكم، فوسع لكم في التعاون مع كافة الطوائف القريب منها والبعيد كل بحسبه وحسب ما تقتضيه مصلحة الإسلام وأهله، وعلمكم من سيرته ترتيب الأولويات والأهم على المهم، وأنه يستوعب ويتساهل ويغض الطرف في جهاد الدفع عن أشياء قد لا يحتاج إليها في جهاد الطلب، فلا تضيقوا مع ما وسعه الله عليكم، واعلموا أن مصلحة حفظ الإسلام وأهله ودرء الفتنة عنهم وهي الشرك الأكبر المستبين وتولي أولياءه من عبيد القانون الشركي اللعين وهي أعظم مفسدة في الوجود تذوب في سبيل درءها كثير من المصالح المرجوحة، ويغض الطرف لأجله عن كثير من الفروع، فحذار من إهدار المصالح العظيمة المتعدي نفعها إلى الأسلام وأهله، والأصول الأصيلة التي تتحقق بالتعاون والإتحاد، لأجل التعنت في بعض الفروع والثانويات أو المسميات، فهذا لا شك من انتكاس المفاهيم وضحالة الفقه؛ فلا تغتروا بمن يدفعكم باتجاه مثل هذا التعنت والجهل والإسفاف من صغار الطلبة وأشباه المتعالمين… والواجب أن يتنازل البعض عن أنانيتهم وألقابهم ومسمياتهم لمصلحة الإسلام وأهله، ولا يلبس عليهم شياطين الجن والإنس من الجهال وأدعياء العلم وقصيري النظر بتعظيم وتضخيم بعض الفروع وتقديمها على الأصول والمصالح العظيمة والتعنت في ذلك، ومن ثم هدر ما فيه قوة المجاهدين وعز الإسلام وأهله وانتصار رايتهم بذلك الفقه المنكوس …
واعلموا أن الفساد الكبير الناتج عن تشرذمكم وتفرقكم وتنازعكم، وهو تسلط المشركين على أهل الإسلام وبقاء راية التنديد مهيمنة مراغمة لراية التوحيد، أعظم وأخطر وأنكى بكثير من بعض الفروع التي يضخمها ويعظمها ويقدمها على الأصول بعض ضعاف العقول.
فالله الله في جهادكم …والله الله في توحيدكم ..والله الله في دماء المسلمين..والله الله في الامانة التي حملتموها .. والله الله في تولي المسلمين والمؤمنين وتقديم هذه الأسماء الشرعية التي سمانا الله بها على كل اسم حادث أو تجمع إنما وجد ليكون خادما لهذه الأسماء …
فحذار من تقديم وتضخيم وتعظيم الفروع على الأصول، وحذار من رفع الخادم على السيد المخدوم، ففي ذلك عكس للأصول والعلوم، وتنكيس للقواعد والفهوم ..
فالله الله في توحيدكم ورايتكم وجهادكم، فإن الرجوع إلى الله وشيك والسؤال عن ذلك عسير… ولا يغرنكم تصفيق بعض السذج والسطحيين الذين يشجعونكم على الإعراض عن توجيهات مشايخكم، فإن العاقل لا يفرح بمن يصفق له حتى يعرف ما هم وما قيمتهم العلمية والشرعية …
أسأل الله العظيم أن يهدينا وإياهم إلى سواء السبيل، وأن يوحد صفوف المجاهدين ويوحد رايتهم وكلمتهم وصفهم وينصرهم على من عاداهم …والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
أبو محمد المقدسي
غرة ربيع الأول 1435
من هجرة المصطفى
المصدر: شبكة منبر التوحيد و الجهاد