مفكرة الإسلام: أعلن أوباما منذ الأيام الأولى لرئاسته أن لديه إستراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب، تتمثل تلك الإستراتيجية في التركيز على الحرب في أفغانستان، مع الانسحاب التدريجي من العراق، وبالفعل بدأت العمليات العسكرية في أفغانستان في التسارع، وبدأت أمريكا وحلفاؤها في إرسال مزيد من القوات إلى تلك المنطقة.
الخنجر هو الاسم الذي اختارته أمريكا لعملياتها العسكرية الواسعة في الجنوب، في حين أسمتها بريطانيا “مخلب النمر” ووصفتها بأنها “واحدة من أكبر العمليات العسكرية الجوية في العصر الحديث انطلقت قبل أسبوعين بهجوم جوي على منطقة باباجي الواقعة إلى الشمال من لشكرجاه. والهدف المعلن من هذه العمليات هو القضاء على طالبان في مناطق نفوذها في هلمند وغيرها من محافظات الجنوب.
صحيح أن حجم قوات حلف شمال الأطلنطي “الناتو” في أفغانستان وصل في يونيو الماضي إلى 61 ألفًا و130 جنديًا من 42 بلدًا بما فيها الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى. كما أن للولايات المتحدة قوات أخرى شرق أفغانستان لا تعمل تحت قيادة إيساف قوامها أكثر من 17 ألف جندي. إضافة إلى تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإراسل 21 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان كثيرون منهم يعاد نشرهم بعد سحبهم من العراق.
كل تلك الحشود والاستعدادات من أجل إخضاع الشعب الأفغاني والسيطرة عليه بعد ثمانية أعوام من الاحتلال، فهل حان موسم حصاد النصر الأمريكي في أفغانستان، أم أن للشعب الأفغاني رأي آخر؟
موسم الهزيمة في أفغانستان:
بعد مرور أيام على تنفيذ أمريكا وحلفائها خطتهم العسكرية للقضاء على طالبان، الواقع يتحدث على أن الرياح الأمريكية أتت بما لا تشتهيه السفن فقد أعلن مؤخرًا عن أسر جندي أمريكي، وعن سقوط العديد من الطائرات العسكرية لقوات التحالف، فقد نقل مراسل الجزيرة في أفغانستان عن متحدث باسم القوات الأمريكية في قندهار أن طائرة مقاتلة تحطمت صباح يوم الاثنين 20 يوليو الجاري في قاعدة قندهار الجوية جنوب البلاد، بعد يوم واحد من تحطم مماثل قتل فيه 16 شخصًا هناك.
وهي الطائرة الثانية التي تتحطم في قاعدة قندهار الجوية خلال 24 ساعة والخامسة في أفغانستان خلال شهر يوليو.
ويأتي ذلك بعد يوم واحد من تحطم مقاتلة أمريكية من طراز (إف-15 إي) شرقي أفغانستان ما أدى إلى مقتل طاقمها المؤلف من فردين.
وكان ستة مدنيين أوكرانيين قتلوا في حادث آخر في إقليم هلمند جنوب البلاد عندما سقطت طائرتهما بالقرب من قاعدة عسكرية بريطانية في الإقليم. وأعلنت حركة طالبان مسؤوليتها عن سقوط المروحية.
كما نسبت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية لمسؤولين كبار بوزارة الدفاع قولهم: إن القوات الأجنبية المتمركزة في ولاية هلمند واجهت هجمات مركزة دامية من جانب مقاتلي طالبان والفصائل الأخرى، وإنهم يتوقعون مواجهة الأسوأ في الفترة القادمة.
وكشفت وثائق صادرة عن الوزراة أن هجمات المسلحين في أفغانستان زادت بنسبة 73% وأن عدد القتلى في صفوف قوات التحالف زاد بنسبة 78% مقارنة مع بيانات العام الماضي.
وأظهرت الأرقام الرسمية أن هجمات طالبان في ولاية هلمند تزيد بمقدار ثلاثة أضعاف عنها في أي منطقة أخرى في أفغانستان، موضحة أن طالبان تشن يوميا ما معدله 12 هجومًا، مقارنة مع أربعة هجومات في ولاية قندهار المجاورة، وأقل من ذلك في العاصمة كابل.
أفغانستان مقبرة الغزاة
“في العاشر من ديسمبر 1979، استدعى وزير دفاع الاتحاد السوفيتي وقتها ديمتري أوستينوف قائد جيشه نيكولا أوغاركوف إلى مكتبه في موسكو، وأبلغه أن عليه أن يرسل فورًا 80 ألف جندي إلى أفغانستان، وذلك على إثر انهيار النظام في ذلك البلد، فما كان من أوغاركوف إلا أن استشاط غضبًا ووصف هذه الخطوة بأنها متهورة”.
لكن أوستينوف قاطع رئيس الأركان قائلاً: “هل أنت بصدد تعليم المكتب السياسي ما يجب فعله”، قبل أن يقول له بعنف “واجبك ينحصر في تنفيذ الأوامر لا غير”.
وهكذا بدأت التجربة السوفيتية الوخيمة في أفغانستان، حيث فقد الجيش السوفيتي خلال عقد من الزمن 15 ألفًا من جنوده في حملة عسكرية سرعت بانهيار الاتحاد السوفياتي بأكمله.
لم تكن أفغانستان مقبرة للسوفيت فقط، فقد كانت لبريطانيا سوابق أيضًا مع أفغانستان فقد كانت بريطانيا تخشى من اتصالات نابليون مع الأسكندر الأول (قيصر روسيا) ومحاولة كلٍّ منهما دخول الهند التي تحكمها بريطانيا عن طريق أفغانستان وإيران، وقد وصلت أول بعثة بريطانية إلى بيشاور سنة 1829م بقيادة (ايلفنستون) والذي عقد معاهدة دفاع مع (شاه شجاع)، أحد أبناء تيمور شاه، ثم فقد شاه شجاع ملكه، فلجأ إلى البريطانيين في الهند سنة 1839م، فاحتل الجيش البريطاني (كابل، وقندهار، وغزني) وأمر المعتمد البريطاني في الهند (أوكلاند) بإعادة شاه شجاع ملكًا على أفغانستان، وجاءوا به من الهند وتوجوه ملكًا، واحتلت بريطانيا غزني ونقلوا عاصمة (شاه شجاع) إلى كابل.
فأبى الشعب الأفغاني المسلم الاحتلال ورفض أن يفرض عليه ملك من قبل الإنجليز، وانتفض الشعب وثاروا على ملكهم العميل وقتلوه في عملية جريئة في شوارع (كابل) والجنود يحملونه على أكتافهم، وقد قتله أحد المجاهدين واسمه (شجاع دولة) وأعلن (اختر خان) الجهاد ضد بريطانيا، وعاد “دوست محمد” مع ابنه (وزير محمد أكبر خان) يقاتلان مع الشعب المسلم ضد الإنجليز، ووقعت معركة (يافان داراش) في (2 تشرين الثاني 1840م) وانتصر “دوست محمد” في اليوم الأول، ثم هزم في اليوم الثاني وأسرته بريطانيا وأخذته إلى “كالكتا” وبقي ابنه أكبر خان يقاتل البريطانيين.
وجرت مفاوضات بين أكبر خان وبين (ماكنتن) ممثل بريطانيا، وأثناء المفاوضات قام أكبر خان بقطع رأس (ماكنتن) بالسيف، وعلى إثر ذلك قررت بريطانيا الانسحاب في 6/1/1842م، وكان عددهم أربعة آلاف بريطاني وأحد عشر ألفًا من الهنود، وسلك البريطانيون طريق وادي (جاكي دلك) بين كابل وجلال أباد، وأعمل المجاهدون فيهم السيف حتى لم يتبق منهم سوى جندي واحد هو الدكتور “برايدون” الذي كان الناجي الوحيد ليخبر قومه مغبة الاصطدام بالأفغان المسلمين، وكان القائد العسكري للجيش البريطاني هو (الفنجستون) الذي هزم نابليون في معركة (واترلوا) سنة 1815م وقد أسره “أكبر خان” وحبسه في غرفة في “جاك دلك” ومات في السجن رهن القيد.
ربما لأن الشعب الأمريكي شعب حديث ليس له حضارة، لذلك فهو لا يأبه للتاريخ كثيرًا، لكن الذي يقرأ التاريخ ينبغي أن يعلم أن أفغانستان كانت مقبرة لكثير من الإمبراطوريات التي غزت العالم من قبل لكن لم يستقر لها مقام في أفغانستان، فهل يعتبر أوباما بمن سبقه، أم سيضيف اسم بلاده لقائمة الإمبراطوريات المهزومة في أفغانستان