(شبكة الرحمة الإسلامية) – التوسع في العمليات الخارجية, والغزو العسكري, خاصة في حربي أفغانستان والعراق 2003 تعاضدت مع الأزمة الاقتصادية وتركت الولايات المتحدة في موقف حرج للغاية اقتصاديا وعسكريا, على نحو ما أراد تنظيم القاعدة تماما، وبناء عليه يمكننا القول بأن صراع الاستراتيجيات بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة ما زال دائرا …
الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وتنظيم القاعدة لا تتوقف على ساحة المعارك العسكرية والقتال الدموي في العراق وأفغانستان وغيرها من النقاط الملتهبة، بل هناك صراع من نوع آخر، وهو صراع الاستراتيجيات.
فالاستراتيجية التي تبناها تنظيم القاعدة ـ والذي ليس بالضرورة نشاركه رؤيته لطبيعة الصراع ومآلاته، وموقع الأمة منه ـ وأعلن عنها منذ العام 2004، في أكثر من رسالة صوتية لزعيم التنظيم أسامة بن لادن، ونائبه أيمن الظواهري تقوم على استنزاف الولايات المتحدة حتى هاوية الإفلاس، والذي يترتب عليه انحسار قوتها العسكرية.
وهذه الإستراتجية فيما يبدو قد بدأت تظهر بعض التقدم، ففي حدث ربما يكون غير مسبوق ويحمل دلالات خطيرة كشف وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس عن قرار بإغلاق قيادة كبرى بالجيش الأمريكي توظف خمسة آلاف شخص، وكذلك تقليص عدد المتعاقدين مع الجيش، والبدء في إلغاء عدد من الوظائف فيه بهدف توفير 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة.
ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز فإن مشرعين أمريكيين سيبدؤون حملة في هذا الاتجاه، مؤكدة أن جيتس سيعلن عن خفض قدره 2% في حجم إنفاق الجهاز البيروقراطي لوزارته، ونقلت عن النائب الديمقراطي “مارمس ديكس” رئيس لجنة الاعتمادات العسكرية في مجلس النواب إنه سيسعى لخفض الميزانية الدفاعية في العام المقبل بمقدار سبعة مليارات دولار، وقد صوت الديمقراطيون في لجنة الاعتمادات المالية في الكونجرس لصالح خفض مقداره ثمانية مليارات دولار من تكاليف العمليات العسكرية الكبرى المقدرة بـ 18 مليار دولار.
هذ الحدث يوحي بأن التوسع في العمليات الخارجية، والغزو العسكري، خاصة في حربي أفغانستان والعراق 2003 تعاضدت مع الأزمة الاقتصادية وتركت الولايات المتحدة في موقف حرج للغاية اقتصاديا وعسكريا، على نحو ما أراد تنظيم القاعدة تماما.
فالولايات المتحدة التي تخوض حربا مستمرة في أفغانستان منذ 2001، ووصل عدد الجنود الأمريكيين المنتشرين هناك في أطول حرب تخوضها إلي 100 ألف جندي، وهي مضطرة إلى الاحتفاظ بنحو 6 فرق عسكرية كاملة ونحو 100 قاعدة عسكرية في العراق، قبل الانسحاب المرتقب من المدن.
وقد بلغت تكلفة الحرب على العراق وأفغانستان حوالي تريليون دولار مقسمة بينهما إلى 684 و 223 بليون دولار على التوالي.
أضف إلى ذلك كلفة عمليات مواجهة ما يسمى بالإرهاب، حيث أكد تقرير مركز بحوث الكونجرس إن كلفة الحرب على “الإرهاب” التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر تجاوزت ترليون دولار، ومن المتوقع أن تصل التكلفة الإجمالية لهذه الحرب إلى نحو 2 تريليون دولار بحلول عام 2019 بحسب إحصاءات لجنة القوات المسلحة في الكونجرس الأمريكي.
ويرتبط بذلك الحديث عن تضخم الجهاز الأمني في الولايات المتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر، فهناك نحو أكثر من 850 ألفا من رجال الأمن الأمريكيين يكلفون الولايات المتحدة مليارات الدولارات سنويا.
وربط محللون كثر هذه النفقات الباهظة كأحد أهم أسباب الأزمة الاقتصادية التي لا تزال تضرب الولايات المتحدة منذ عام 2008 وبعض الدول الأوروبية.
فالأزمة الاقتصادية الطاحنة التي مرت بها الولايات المتحدة قبل سنتين، هي بالتأكيد لم تكن أزمة عابرة ورحلت إلى حال سبيلها، فقد تركت بصمات وآثار غائرة على كافة الصعد خاصة مجال التسلح والإنفاق.
فقد كشف “نيويورك تايمز” عن حجم دين الحكومة الأمريكية، مشيرة إلى أنه ارتفع إلى 13 ترليون دولار، ووصل العجز في الميزانية إلى ما قيمته 1.5 ترليون دولار، ويتوقع السيناريو المالي البديل الذي قدمه مكتب الميزانيات التابع للكونجرس، والذي يأخذ في الحسبان التغيرات المحتملة في السياسة الحكومية، ارتفاع الديون الأمريكية العامة من نسبة 44% قبيل الأزمة المالية، إلى نسبة تبلغ 716% بحلول العام 2080، وفي السيناريو الأساسي الذي قدمه مكتب الميزانيات، الذي يفترض استمرار السياسات المالية الحالية، فإن النسبة ستقارب 280%.
وهذان الأمران ضعف البنية الاقتصادية مع التوسع العسكري الخارجي، هما تقريبا المحوران اللذان ركز عليهما تنظيم القاعدة في استراتيجية، كونهما يشكلان معا نسبة الثلثين من الأسباب التي تؤدي إلى انهيار الإمبراطوريات والدول العظمى وتراجعها.
فمن يراجع التاريخ جيدا سيجد أنه خلال القرنين الثاني والثالث، حدثت ثلاث أزمات متزامنة وهددت بانهيار الإمبراطورية الرومانية: الغزوات الخارجية، والحروب الأهلية الداخلية، وضعف الاقتصاد.
وهذا ما أكده تقرير نشرته مجلة “نيوزويك” الأمريكية يقول أن أمريكا توصف بأنها قوة عظمي، أو قوة مهيمنة، أو إمبراطورية لكن تظل قدرتها علي إدارة شئونها المالية مرتبطة بشكل وثيق بقدرتها علي بقائها القوة العسكرية الأهم في العالم.
ورصدت “نيوزويك” تاريخ انهيار الإمبراطوريات الذي يبدأ بتفاقم الديون وينتهي بتخفيض مطرد في الموارد المتوفرة للجيش، وضربت مثلا على ذلك بالإمبراطورية الإنجليزية، حيث كانت الفوائد تستهلك 44٪ من الميزانية البريطانية في الفترة الفاصلة بين الحروب مما جعل إعادة تسلحها في وجه التهديد الألماني الجديد أمرا شديد الصعوبة.
وأكدت في تقريرها في النهاية على ضرورة إجراء إصلاحات مالية جذرية حتى تتجنب الولايات المتحدة هذه النهاية.
ومن هنا يمكننا القول بأن صراع الاستراتيجيات بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة ما زال دائرا، ولكن مقدمات الصراع توحي بأن الولايات المتحدة على مشارف هزيمة استراتيجية، في تأثيرها ومآلاتها أضخم بكثير من المعارك العسكرية التكتيكية.
الكاتب أ. عصام زيدان
باحث وكاتب إسلامي مصري.
المصدر: موقع “قاوم” و شبكة سنام الإسلام