تعليقاً على قرار محكمة اللوردات البريطانية بإقرار الحكومة في تسليمه إلى الحكومة الأردنية.
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وبعد،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبدأ كلامي بحمد الله تعالى على نعمه العظيمة، ومنحه الجليلة العميمة، فوالله لقد أكرمني بكرامات وعطايا لا أستطيع لها عداً، ولا أقدر على حمدها وأداء شكرها، كان أعظمها ما نلته في سبيله من السجن والقيد والإيذاء، ثم قد أعطيت في هذه السنوات الست من منح وهبات ما لو قضيت عمري كله في خارج السجن لم أنلها، فكانت كرامة السجن ثم كرامات عدة فيه بحمده وفضله وإصطفائه.
في السنوت الثلاث الأولى أتممت حفظ كتاب الله تعالى مع تأملات طويلة فيه أعانتني على كتابة عدة كتب كان من أجملها عندي هو كتاب “فن القراءة” وهو كتاب أردت فيه أن أنقل تجربتي في هذا الفعل العظيم القراءة، ليصل الإنسان من خلاله إلى ما سميته “القراءة الجدلية”، بثثت فيه الكثير من الرؤى والنصائح والإستنتاجات ليتحقق القارئ من الوصول إلى تمجيد الله العظيم وتسبيحه، وقد أردت أن أجعل القراءة الدينية قراءة علمية كما أردت أن أجعل القراءة “أي قراءة” هي قراءة دينية بمعناها الصحيح، أي أن تحقق العبودية لله تعالى، أرجو من الله تعالى أن ييسر خروجه لأني أعتقد أنه لم يُكتب في هذا الموضوع قبله شبيه به.
وكتبت فيها كذلك كتاب “لماذا إنتصرنا؟!” بيّنتُ في هذا الكتاب معنى النصر من خلال كتاب الله تعالى، وقرأت واقع العمل الجهادي خصوصاً وآثاره على العالم عموماً، ووصلت فيه إلى نتيجة جازمة أننا نعيش في نصر، لأن الخط البياني لأمة الإسلام في صعود، وخط الكفر في نزول وهبوط، وهذا الكتاب فيه الكثير من المناظرات الإفتراضية مع خط الهزيمة في الصف الإسلامي.
منذ اليوم الأول لسجني الأول (ثلاث سنوات) وأنا أسجل خواطري ورؤاي وكذلك ما أراه بصراُ وأذكره من مواقف على صورة “صيد الخاطر” سميته “شذرات من الفكر والحياة” ملأت في ذلك ثلاثة دفاتر.
كان مما يشغلني منذ زمن مفهوم “العقل”، وهو من المسائل التي لها خصوصية قرآنية، حيث لم يذكر في القرآن ككائن مستقل، بل ذكر كملكة فعل ((يعقلون)) فكتبت بحثاً سميته الفرق بين “العقل الشعري والعقل الجهادي” وذلك إهتداءً بما قاله تعالى في سورة الشعراء ((والشعراء يتبعهم الغاوون…)). وسجلت في تلك الأيام ذكريات لم أتمها سميتها –وفي بلمارش كانت لنا أيام-.
وكان آخر ما كتبته هناك ((الأربعون الجياد لأهل التوحيد والجهاد)) وهو الوحيد الذي قدّر الله تعالى له أن يصدر إلى الأخوة.
كانت الحالة التي عشتها في سجني الأول هي التي ساعدتني على هذا الإنتاج، إذ كتبت مع هذه الكتب عشرات القصائد نشر منها قصيدتي في رثاء الشيخ أحمد ياسين، وقصيدة في الشوق لفلسطين، وأخرى تربوية وكثير منها تعبيرية نفسية، والأخرى أسررت بها للمقصود منها وهي زوجتي حفظها الله ورعاها، وفاءً لها على صبرها وثباتها، وكذلك تعليمها لي الكثير مما أحتاجه في محنتي.
كنا في تلك المرحلة مع إخواني في زنازين إنفرادية نمكث فيها أكثر من ثلاث وعشرين ساعة في الليل والنهار حيث لا يرى المرء أحداً بل يكون خالياً متفرداً.
كان هذا السجن –ثلاث سنوات- بلا تهمة ولا محاكمة ولا يجوز لك كذلك أن تطلع على الأدلة التي تزعم الحكومة أنك مسجون بسببها، فقد أقر “برلمانهم” قانوناً يجيز للدولة أن تسجن أي غريب أجنبي لا يملك الجنسية البريطانية إلى أمد غير محدود بأدلة سرية.
هذا القانون يعد فعلاً تجديدياً لأكلة الآلهة الباطلة كما سميته، إذ أننا نعلم ما كان بعض المشركين يفعله قديماً في تعبدهم الشركي، فكانوا يصنعون أصناماً من تمر ثم يعبدونها، فإذا جاعوا أكلوها، وكذلك فعلت الحكومة الإنجليزية، فهي التي تزعم أنها تحترم الإنسان بغض النظر عن دينه ولونه ولغته وجنسيته، فها هي الآن تأكل إلهها، وتأتي بهذا القانون الذي يفرق بين إنسان وإنسان.
سجن معي تحت هذا القانون ما يقارب عشرة أخوة، وكل واحد من الأخوة استغل سجنه في باب من الأبواب، وأنا مع هذه الكتب والأبحاث استطعت بفضل الله أن أتخلى عن شحوم زائدة، إذ استطعت وعن طريق الرياضة والحمية إنزال أكثر من خمسة وعشرين كيلو غرام، وقد بدت لمن لم يكن يراني وأنا أمارس الرياضة أن هذا بسبب مرضي ولكنه والحمد لله لم تكن كذلك، بل تخلصت من مرض السكري كلياً وإلى الآن وكذا من آلام الظهر الشديدة التي كانت تأتيني بسبب المشي، حيث صرت أركض ساعة كاملة ولمسافة إحدى عشر كيلومتر. والحمد لله رب العالمين.
لقد هزمنا الحكومة البريطانية بفضل الله تعالى، وكان في سجننا كشف لخبثها وإجرامها وكذب دعاويها الإنسانية، واستطعنا أن نكشف للمسلمين في بريطانيا خصوصاُ أن الحكومة البريطانية حكومة تعادي الإسلام والمسلمين، وحصل الشرخ بفضل الله الذي لن تستطيع أن تجبره أبداً بعد ذلك.
لقد انتهى عهد الأكاذيب، وانتشر بين الناس هنا أن هناك غوانتينامو في بريطانيا هو سجن بلمارش كما في أمريكا غوانتينامو سواء، ونشأ جيل جديد من الشباب المسلم وخاصة من إخواننا القادمين من القارة الهندية لم يعد لديهم الإنبهار بالمسؤول الإنجليزي ولا بالقيم الإنجليزية، بل هم يحتقرونه ويعلمون عداءه لهم فصاروا له أعداء كذلك.
لم يكن أحد يتصور أن يسجن أحد هذه المدة بلا تهمة ولا محكمة في بريطانيا، لكنها الحقيقة، وهي الوجه الحقيقي للإنسان المتعجرف الذي يرى أن الآخر هو مجرد رقم لا قيمة له.
بعد ثلاث سنوات أصدر مجلس اللوردات البريطاني قراراً بإبطال هذا القانون، وقالوا فيه أقوالاً شديداً فلم يتم التجديد له ولكن تم إقرار قانون آخر بديلاً عنه وهو قانون يفوض الحكومة البريطانية بتقييد أي إنسان بقيود وهو خارج السجن، وذلك بمنعه زمناً من الخروج من البيت ومنعه من إستخدام التلفون والكمبيوتر أو مقابلة بعض الناس أو الذهاب لبعض الاماكن أو تحديد مكان ذهابه.
خرجنا من سجن بلمارش العنصري “وغوانتينامو بريطانيا” تحت هذا القانون أنا وإخواني، ومكثت في الخارج ما يقارب خمسة شهور لعبت الحكومة البريطانية لعبة جديدة، وهي أنها عقدت صفقات شخصية (نعم صفقات شخصية) ليس لها أي وجه قانوني أو تشريعي بحسب دينهم وقوانينهم، مع الأردن وليبيا يتم بسببها تسليم المسلمين إلى بلادهم.
بعد صلاة الفجر داهمت بيوتنا الشرطة واقتادتنا إلى السجن مرة أخرى، وبلا تهمة ولا محكمة مدنية، بل بمحكمة خاصة وبأدلة سرية، أي خاصة للأجانب دون بني جلدتهم، ووضعنا أكثر من سبعة عشر أخاً في قسم مستقل، نعيش معاً، كان فينا الفلسطيني والأردني والليبي والجزائري، ثم بعد مدة خرج الليبيون لما أطلقت الحكومة الليبية سراح الأطباء البلغار المتهمين بنشر الإيدز بوساطة فرنسية ولم تعط للإنجليز، فانتقمت الحكومة البريطانية بأن أخرجت الليبيين.
لم تنجح الحكومة البريطانية بعقد صفقة مع الجزائر فدخلت في دوامة مع الجزائريين، وبقيت لعبتهم مع من يحملون الجنسية الأردنية.
كنا ثلاثة اثنين معاً؛ أنا والأخ عبد الله السمامرة (أبو شيماء) والثالث هو أبو عيسى الرفاعي، وكان أبو عيسى يتنقل بين بلمارش والمستشفى لوضعه الصحي ولم يكن معنا.
مكثنا مع الأخوة في هذا السجن ثلاث سنوات، وللأسف لم أنجز فيها الكثير لأن السجن كان جماعياً مع الأخوة، والحديث معهم ذو شجون، هذا مع إلحاق الأخ عادل عبد المجيد المصري والأخ خالد الفواز النجدي المتهمين في أمريكا، وهي تطالب بهم لمحاكمتهم، وأضيف معنا الأخ بابر أحمد وهارون أسواط وطلحة إحسان، وكل هؤلاء لهم قضية واحدة وهي تسليمهم لأمريكا.
بعد خروج الليبيين بمدة طويلة استطعنا جميعاً الحصول على خروج بالكفالة في إنتظار قرار محكمة اللوردات في قضيتنا وبعد أقل من خمسة شهور هاجموا بيتي فجراً واقتادوني إلى بلمارش تحت دعوى أنني كسرت شروط الكفالة، وذلك أنني فكرت أن أهرب من بريطانيا.
تأمل هذه التهمة ((فكرت أن أهرب))، في الحقيقة لم تكن كذلك بل هي كما قيلت في الأوراق: “أنه يمكن له أن يفكر أن يهرب”.
هذا هو القضاء البريطاني النزيه كما يقول زنادقة بلادنا.
رجعت إلى السجن وقد زاد التضييق والإيذاء في السجن، حيث وضعت في درجة أمنية عالية إذ يتم تفتيشي عارياً مرتين في كل شهر، وأعدت إلى إخواني السابقين؛ عادل وخالد وبابر وطلحة وزاد معهم أخ آخر من جامايكا أسلم جديداً وتسمى باسم بلال، وهو كذلك مطلوب لأمريكا في قضايا جنائية أخرى لا علاقة لها بالجهاد بخلاف الآخرين.
منذ اليوم الأول قررت أن لا أضيع الوقت إلا في الكتابة، فبدأت بفضل الله تعالى في كتابة موضوع كان أملي أن أكتبه منذ أن دخل الأمريكان أفغانستان وحدث ما حدث في تورا بورا وغيرها، لأني رأيت ردود أفعال جاهلية قالها أصحاب عمائم ومشايخ صحوة ضد الجهاد والمجاهدين، هذه الأقوال هي عين ما قاله المنافقون بعد أحد.
كان المقصد أولاً هو شرح آيات معركة أحد ثم رأيت أن غزوات رسول الله في القرآن تستحق أن يفرد لها كتاب مستقل فكان الكتاب وهو ((غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم)) وذلك تحت عنوان كبير هو “صبغة الله” سيكون بحسب الوسع والطاقة، وهو قراءة الأسئلة الوجودية والجهادية من خلال كتاب الله تعالى.
الآن وبعد أن صدر قرار محكمة اللوردات بموافقة الحكومة على تسليمي للحكومة الأردنية ماذا يمكن أن يقال:-
لقد قال قضاة هذا البلد، ومن كل طبقاتهم أن الأردن فيها عدالة، وأن المحاكم العسكرية فيها تحقق العدالة اللازمة، وأن التعذيب في السجون وفي دوائر المخابرات أمر يمكن تفهمه.
هذه خلاصة قراراتهم وبلا رتوش أو مزينات، وهذا يعني لذوي الحجر والعقول أن الأردن هي إبنة بريطانيا كياناً ونظاماً وأمناً، ومن لم يفهم هذا فالكلام معه إضاعة وقت.
لقد أكرمني الله تعالى بأن كشف في قضيتي هذه القضاء البريطاني، لأن بعض الناس لغفلتهم يبرؤون القضاء البريطاني من المؤسسة الإجرامية فيها أي التشريعية والتنفيذية، وأقول:- إن قضيتي واحدة في الحق من هذه القضايا التي تظهر عنصرية القضاء البريطاني وحقده ضد الإسلام والمسلمين.
لا أستطيع في هذه الورقات- وهي رسالة سريعة- أن أفصل وأشرح، لكن يكفيني أن أقول كلمة قالها أحد القضاة وهو يناقش قضية ترحيل عيد الله السمامرة (أبي شيماء) إلى الأردن حين عرضت عليه وصية الشيخ فقال القاضي: هذه الوصية تذكرني بوصايا المسلمين في الحروب الصليبية.
لقد قدّر لي أن التقي لمدة قصيرة هنا في هذا “القسم المنفرد” حيث عزلنا عن العالم وعن بقية المساجين بالدكتور محمد عشا، وهو الذي اتهم مع الدكتور العراقي بلال عبدالله “وهو أخ التقيت به في المسجد حين كنت في الوحدة الانفرادية في بلمارش ويوم الجمعة ثم التقيت به في سيارة النقل التي كانت تحمله إلى المحكمة” وهذا الدكتور بلال عبدالله رجل من رجالات الاسلام بحق علماً وعملاً وثباتاً ورجولة، فهو يحفظ كتاب الله، وعالم فقه وحديث، وقد وقف موقفاً إيمانياً في المحكمة قال فيه كلاماً يُرفع إلى كلام السلف رضوان الله عليهم، لقد استصغرت نفسي وهو يقول: لقد تأثرت من أشرطتك السمعية كثيراً، فالحمد لله رب العالمين”، أقول: لقد قال لي الدكتور محمد عشا -وهو تخصص جراحة أعصاب- أن المدعي العام في المحكمة كان يقول في اثبات التهمة ضده:-
“صحيح أن عشا لا توجد ضده أدلة لكن تذكروا أنه ذكي وهذا يكفي”
“صحيح أن عشا لا توجد ضده أدلة لكن تذكروا أنه فلسطيني الأصل وهذا يكفي”
هذه هي مراسم المحاكم في القضاء البريطاني حين يكون المتهم أمامهم مسلماً.
هل أذكر لكم أخرى؟!
يكفيكم واحدة هنا:-
وزير الداخلية السابق ديفيد بلانكيت هو الذي وقع قانوناً عجيباً بين الحكومة البريطانية وبين أمريكا لتسليم من تطلبهم أمريكا من بريطانيا، وسبب عجبه أن هذا القانون ملزم لبريطانيا وغير ملزم لأمريكا، أي أن بريطانيا ملزمة بتسليم من تطلبه أمريكا، وأمريكا غير ملزمة بتسليم من تطلبه أمريكا، وكما يقولون “ما علينا” لأن المقصود غير هذا.
الذي حصل التالي:-
قامت أمريكا بطلب شخص بريطاني –غير مسلم- متهم عندها بأعمال في الإنترنت مخالفة للقانون الأمريكي، وقررت المحاكم تسليمه، لكن أعضاء البرلمان إعترضوا على هذا القرار، وكان أشد المعترضين هو ديفيد بلانكت نفسه، وقد إستجابت الحكومة لضغوط البرلمان وهي تدرس الآن إمكانية محاكمته هنا وتسليمه لأمريكا.
الإتفاقية إذاً هي ضد المسلمين، وضعت خاصة لأبي حمزة المصري وبقية الأخوان.
الوقت يتسع لحادثة أخرى:-
حكم على أبي حمزة المصري سنين طويلة تحت تهمة إثارة الكراهية، وبعبارات موهمة غير صريحة ألبسوها ما يريدون من المعاني، وبعد أيام حوكم قائد حزب بريطاني معروف بالتعصب اسمه نيكولاس غريفن بنفس التهمة وبعبارات أقوى من عبارات هتلر النازية وخرج البريطاني بريئاً.
لا بأس واحدة أخرى:-
عندما تم القبض على بابر أحمد قام الشرطة بضربه ضرباً شديداً وهو وزوجته –العروس يومها- وصار وجهه كالقربة من الضرب، وظهرت الكدمات الشديدة على كل جسمه، ولما رفع الأمر إلى القضاء كان جواب القاضي:- شكراً للشرطة البريطانية في محافظتها على الأمن.
إنني أنا أبو قتادة أقر وأعترف أنني مع كوني فلسطينياً، ولدت في فلسطين، ومع معرفتي بتاريخ الحكومة البريطانية في جرائمها عامة وجريمتها الخاصة في فلسطين إلا أني كنت جاهلاً بهذا الحقد وهذه الكراهية التي تكنها هذه الحكومات البريطانية ضد الإسلام والمسلمين والعرب، ولذلك فأنا في مرات كثيرة أتمنى أن يسجن كل المسلمين هنا في بريطانيا –لمدة لا تقل عن سنة- ليروا بأم أعينهم حقيقة ما أقول، لأن مئات المجلدات لن توصل الحقائق التي يعيشها صاحبها عن كثب ورؤية وإحساس.
هنا قد عدت إلى السجن لتبدأ رحلة جديدة لا أعرف أين تنتهي، لكني على ثقة أن ربي رحيم كريم، والله عند حسن ظن عبده به، أعلم أن الله أرحم من نفسي على نفسي، وأرحم من والدي علي، فأنا لضعفي أرجو السلامة والعافية، ولكن الله عز وجل أحكم وأعلم، مع كل دعواتي أن يثبتني الله على الحق حتى ألقاه، فوالله لا أخاف إلا الإنقلاب على العاقبة، وهي شر ما يلاقيه المرء، ولكني أقول:- أن الحق مع المجاهدين في كل أمر، أنصرهم ظالمين ومظلومين على ما عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأكتب دوماً هذا ما حييت وقدرت على ذلك، لأنهم أهل القرآن حقاً، وهم وراثه ووراث سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين يسمع الناس مني غير ذلك فأكون إما ضالاً أو كاذباً أو مجنوناً وإما مكرهاً تحت السياط والتعذيب، أسأل الله العفو والعافية.
لقد أراد هؤلاء المجرمون العتاة والطواغيت أن يحبسوا الكلمات التي أقولها، وحين يفعلون ذلك فهم يقدّروا أنهم في نصر ضد دعوة التوحيد وضد المجاهدين ولذلك فإن أشد ما يغضبهم ويغيظهم بعد السنان والسلاح هو القلم والكلمة، ولذلك فإني أدعو كل محبّ لدين الله تعالى أن ينشط في نشر هذا الدين، ونشر كلمات المسجونين ودوام ذكرهم ليبطل سحر هؤلاء المجرمين ضد الإسلام وأهله، كما إني أنصح لبعض المسلمين وهم لا يرون حب أحد من المسجونين لسبب نفسي أو فكري أن يتقوا الله في إخوانهم المستضعفين، لأن ما يفعله بعضهم من تتبع العورات وتحميل الكلمات أسوأ معانيها أو حملها على غير مراد أصحابها هو إعانة للكافرين ضد إخواهم وهذا شر ضد الدين قبل هؤلاء الذين يخاصمونهم، فليتقوا الله في دينهم وعرض إخوانهم.
أنا لا أقول هذا لأن كلامهم يضرني أو يضر إخواني في شيء، بل أقول هذا نصيحة لهم-وهي واجبة علي لهم-، وأقوله حتى يعلموا ضرر كلماتهم هذه وإفراحها الكافرين، نعم هناك قوم صغار لا يضرهم ولا يعنيهم إلا إشفاء غليل حقدهم وحسدهم، وهؤلاء نستعين عليهم بالله ونقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.
في هذه المحن يظهر من يخالفك مخالفة الشريف العالم، وبين من يخالفك مخالفة الحاقد الحسود الجاهل، فأما العالم فيقف مع الحق مع بعض أغلاطه ضد الكفر الذي لا حق فيه، وأما الحقود الجاهل فهو سيحسدك حتى مع بلائك هذا.
إننا بفضل الله نرى آيات الله العظيمة في هذه السجون، فقد رأيت هذا الدين كيف يسلم شباب فيتحولون إلى طلبة علم يتعلمون العربية والشريعة في شهور قليلة، مع فهم لحقيقة التوحيد يجهله من عاش مسلماً في بلاد المسلمين.
لقد تربى أولادي بعيداً عني لمدة ست سنوات لا أراهم إلا ساعة في شهر أو شهرين ومع ذلك نشأوا خيراً مما أنا بينهم في كل أبواب الحياة، فقد حفظ الكبار كتاب الله، وبعضهم أغلبه، وهم من المتفوقين في دراستهم، مع أدب وخلق تميّز يشهد بهذا أقرانهم فالحمد لله رب العالمين.
إن أعظم النعم التي يحياها إخوانكم هنا هو ثقتهم بالله وثقتهم بهذا الدين ومنهج الجهاد الذي حقق من الخير لأمة الإسلام ما لو بذل الدعاة مئات السنين لم يصلوا إليه:
لقد تجلت معاني الولاء والبراء في أجل معانيها بين المسلمين والمشركين.
لقد أظهر الله كفر الكافرين وحقدهم وكذبهم بما لا ينكره إلا زنديق أو أعمى.
لقد إزدادت صلة إخوانكم بالله طاعة ودعاءً وإخباتاً.
هم يقيدون أجسامنا فقط لكن أرواحنا أقوى من سجونهم، وكلمات الحق التي نقولها عصية عن قيودهم.
لم تكن الأجسام يوماً معيار النصر والهزيمة، بل معيار الحق وعلوه هو الميزان الذي يحكم به.
يضعوننا هنا في وحدات منعزلة لا نرى أحداً ولا نخاطب أحداً مخافة أن نؤثر في الناس، وهم يجهلون أن هذا هو دين الله تعالى، وهو أرواح تسري في الوجود والتاريخ لا يقدر الشيطان ولا جنوده أن يحبسوها.
لم نكن نطمع قط أن نصل لهذه القوة بأن يكون مجرد وجود أبي قتادة بين أهله لا يخرج إلا لمدة ساعتين يومياً خلال الكفالة سبباً لأن تقول وزارة الداخلية إن هذا الوضع يرفع درجة الخطر ضد بريطانيا، تقال هذه الكلمات في المحكمة وعلى مرأى من الجميع.
هل سجننا يستحق هذا؟! الجواب بل هو قليل أمام هذه النعم، ونرجو من الله تعالى أن تكون عاقبتنا الفردوس الأعلى من الجنة بفضل الله ورحمته.
جزى الله المجاهدين وقادتهم خير الجزاء، وجزى الله دعاة الحق خير الجزاء فلولاهم لدخل الكافرون إلى مخادع نسائنا وصرنا مجرد كلاب تلعق فتاتهم.
كنت أتمنى أن أفصِّل أحوال إخوانكم هنا في السجون واحداً واحداً، لكن الحال والوقت لا يتسع، ولكن إعلموا أن الأمر أكبر من الوصف، وأن المعاني أوسع من أن تحيطها الكلمات، وأرجو من الله تعالى أن يأتي اليوم الذي أكتب فيه بعض ما رأيت وعاينت وشعرت ليكون وقوداً للأمة الإسلامية وللمجاهدين، فلا يصيبهم البأس أو الحزن بل ليواصلوا الطريق فإنها طريق الأنبياء والأولياء حقاً وصدقاُ، فإن المجاهدين وأحبتهم لو رأوا بعض ما رأينا هنا لعلموا أيّ نصر يتحقق كل يوم على أيديهم، وذلك بفعل جهادهم وثباتهم، فإياهم أن تخدعهم الأخبار الكاذبة المزورة أنكم سبب سجن الناس وعذابهم، بل والله هم الرحمة المهداة لأهل السجون كما لغيرهم من أهل الأرض.
كنت أتمنى أن أفصّل لكم عن أسماء شباب كيف أسلموا وباعوا أنفسهم لله لأخبار الشهادة والجهاد.
كنت أتمنى أن أفصّل لكم عن شباب عاشوا جاهلية طويلة فلما جاء الجهاد في سبيل الله صاروا عباداً وقوّام ليل وحفظة لكتاب الله وتعلم العربية.
كنت أتمنى أن أخبركم عن قلق واضطراب وحيرة المسؤولين المجرمين البريطانيين مع هذه الظواهر الغريبة عليهم، حيث لا يدرون ما يفعلون بهذا الدفق الإيماني العجيب:-
يجمعون المسلمين حيناً في مكان واحد ظانين أنهم سيخففون من تأثير المسلمين فينقلب السحر على الساحر وتأتي النتائج ضد مرادهم فيتفرقون.
يقرونهم فتبدأ جمرات الإيمان بالتأثير في محيطها الجديد فيتألمون ويصرخون.
يصرخون كذباً أن المسلمين من المساجين يجبرون المساجين الآخرين على الإسلام دون أن يجدوا حالة واحدة يستخدمونها لكذبهم وزورهم وبهتانهم.
يصرخون ويكذبون وكل ضلالاتهم ترتد عليهم.
تحدثاً بنعمة الله تعالى عليّ: زعمت الصحف أني أقوم بالتأثير على المساجين (مع أني والله أقل الناس في هذا الباب، فهناك أخوة عجب من العجاب في هذا) وفي جلسة مع مسؤول السجن الأول هنا في لونغ لارتن، رد أحد الإخوان عليه بأن أبا قتادة لا يحسن الإنجليزية فكيف يؤثر عليهم؟! فرد المسؤول:- هو بشكله وهيئته يملك تأثيراً على الآخرين.
لقد أفلت الزمام منهم، واشتد غضبهم على المسلمين، ولذلك أطلقت يد المسؤولين في السجون لوضع إخوانكم في سجون خاصة داخل كل سجن وفي أقسام العقوبة التي إمتلأت بالمسلمين، فأنت لا ترى في أماكن العقوبة في السجون شديدة الحراسة إلا وأكثرها من المسلمين ولا مدافع عنهم إلا الله تعالى.
إن مع هذه المنح الإلهية محنٌ شديدة حيث التفتيش الشديد والتعرية الكاملة، والتقييد الأعنف، فها قد وضعنا في وحدة خاصة ممنوعة من أي ممارسة يمارسها بقية المسجونين، فقط ستة مساجين، ووضعتُ خاصةً في درجة أمنية عالية حيث لا أستطيع أن أتصل بعائلتي إلا إذا حجزت هذا الإتصال قبل أسبوع، وأنقّل كل شهر من مكان لآخر، وأفتش كل شهر مرتين تفتيشاً خاصاً ومن وحدة خاصة في السجن.
لقد اشتد الواجب على المسلمين أن يعملوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوب فكاك الأسير بكل ما يستطيعون من طاقة ووسع وطرق يمكن أن تحقق هذا الواجب الإيماني العظيم.
فهذه أمانة وواجب أضعها في أعناق المسلمين عامة وأهل الشأن خاصة ما قدروا على ذلك، وما استطاعوا له من وسع.
اللهم رب السموات السبع والأرض رب العرش العظيم أن تنصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، وأن تفك أسر المستضعفين من المسلمين وأن تلعن الكفرة المشركين الذي يصدون عن سبيلك ويقاتلون أولياءك ويعادون دينك ورسلك. آمين
ملاحظة:- لقد صدر لي حوار مع الأخ عادل عبد المجيد وبيان حول غزة، أُبلغت بعض التعليقات التي قيلت فيها، فبعضها على الرأس والعين وأخرى نلقيها وراء الظهر رحمة بحقد قائليها وجهلهم، وجزى الله الناصحين خير الجزاء.
أخوكم/ أبو قتادة عمر بن محمود أبو عمر
سجن لونغ لارتن البريطاني
المرصد الإعلامي الإسلامي
جزى الله خيراً كل من ساهم وشارك في إعادة نشر وتوزيع هذا البيا