(شبكة الرحمة الإسلامية) – بسم الله الرحمن الرحيم
بيان إعلامي رقم 9
الحمد لله الذي وعد المجاهدين في سبيله الحسنى وزيادة، وشرع لنا تحريض المؤمنين عبادة، والصلاة والسلام على من بُعث بالسيف بين يدي الساعة، وعلى آله وصحبه أولي النهى والسيادة، أمَّا بعد؛
لقد تناقلت وسائل الإعلام ما أُطلق عليه “ميثاق شرف ثوري” وقَّع عليه بعض القوى المقاتلة في سوريا الشام، ولقد تلقينا هذا الميثاق كما تلقاه سائر المسلمين والمجاهدين، وكم كنا نود من إخواننا الموقِّعين لو شاورونا في الأمر، فالكل يعلم أن أبرز إشكاليات ساحات الجهاد التي نبه لها العلماء إنما هي غياب الشورى والتفرد بالقرار، فإن الجهاد الشامي أمانة في أعناق المسلمين عامة والمجاهدين خاصة، وهو يدخل في هذه الأيام محطات تمحيص وابتلاء، ولـمَّا كان هذا الميثاق يتناول أمرًا عامًّا ويتناول الجهاد الشامي وجهاد الأمة في بعض نواحيه رأينا أن نوضِّح ما فيه من مؤاخذات حسب ما نفهم من ديننا، ونبيِّن جانبًا من منهجنا، وإن إنكارنا على بعض الفصائل ما وقعوا فيه من مؤاخذات لا يعني أن نجحد فضلهم وجهادهم فكل يؤخذ من قوله ويرد، فيؤخذ من قوله ما يوافق الشرع ويرد من قوله ما يخالف الشرع، فإن الأمر دين، ولا بد من تبرئة الجهاد مما يقع فيه من أخطاء ومخالفات لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد”.
بعد هذه المقدمة نوجز أهم المؤاخذات فيما يلي:
• أولاً:
عدم الوضوح والانضباط والتحديد في بيان مبادئ هذا الميثاق مع أنهم ذكروا في النقطة الأولى ضوابط ومحددات العمل الثوري فلم نجد فيه انضباطًا ولا تحديدًا، بل هي اصطلاحات وعبارات مجملة ومبهمة يحملها كل فريق على ما يريد، فكيف يكون ميثاقًا يضبط ويحدد العمل الثوري وقد فقد كل معاني الانضباط.
• ثانيًا:
اقتصاره على محاربة الغلو والتنطع، وإهماله لمحاربة الإفراط والانبطاح والتنازل، فكما أن الغلو يهدم ويشوِّه الجهاد فإن التفريط والتقصير يفعل ذلك أيضًا، ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، فلا إفراط ولا تفريط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}.
• ثالثًا:
لا يكفي الادعاء بالرجوع والاستنباط من أحكام ديننا الحنيف والكل يدعي ذلك، فلا بد من موافقة الأقوال والأفعال للكتاب والسنة التي احتوى هذا الميثاق على ما يخالفهما -كما سنوضِّح في هذا البيان-، وقد قال صلى الله عليه وسلم في هذا الباب: “قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك”.
• رابعًا:
اقتصار الجهاد على صورة واحدة من صور دفع العدو الصائل وهو إسقاط النظام عسكريًّا، مع العلم أن هذا النظام قد صال على الدين قبل النفس والعرض والمال والنسل، فدفعه يجب أن يكون عن الدين وحاكميته قبل كل شيء، فإن من المقرر عند أهل الإسلام أن حفظ الدين مقدَّم على غيره من الضروريات، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، وفي آية النساء: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}.
• خامسًا:
نص البيان على أن الفصائل الموقعة على هذا البيان تريد أن تقدِّم رموز النظام ومجرميه إلى المحاكمة العادلة بعيدًا عن الثأر والانتقام، وهذا مخالف لما قررته الشريعة أن أصحاب الردة المغلظة ليس لهم في الإسلام إلا السيف، وطواغيت النظام ورموزه وركائزه من أصحاب الردة المغلظة الذين أمر الشرع بقتلهم عند القدرة عليهم، كما في الحديث عند النسائي وصححه الألباني في الأربعة النفر الذين يُقتلون وإن تعلقوا بأستار الكعبة، عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: لـمَّا كان يوم فتح مكة أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: “اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة” وهم: عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح؛ فأما عبد الله بن خطل فأُدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارًا وكان أشبَّ الرجلين فقتله، وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه…
ثم إن من حقنا في شرعنا الحنيف أن نثأر من هذا النظام المجرم؛ ألم يقل القعقاع بن عمرو حين رأى “بهمن جاذويه” في بداية معركة القادسية: يا لثارات أبي عبيد، يا لثارات سليط بن عمرو، يا لثارات أصحاب الجسر، وقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في غزوة مؤتة المباركة ثأرًا لمقتل بعض أصحابه، ومثلها غزوة تبوك. فهناك ثأر شرعي وانتقام شرعي قررته الشريعة الغراء.
وإن عدم الانتقام لأهل الشام لهو الخذلان بعينه.
• سادسًا:
نص الميثاق على اللقاء والتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية المتضامنة مع محنة الشعب السوري بما يخدم مصالح الثورة، فأطلق ولم يخصِّص عن أسمائها، أو موقفها وحالها من الإسلام والمسلمين في شتَّى البقاع، وعن دورها وأهدافها من الثورة السورية الإسلامية المباركة ونتائجها، وعن صور هذا التعاون واللقاء وما يدور فيه من أحاديث، فإننا نعلم أن هذه الأطراف الإقليمية لا تعمل إلا على محاربة الإسلام وأهله والوقوف في وجه عودة الخلافة الراشدة، هذا ما ذُكر في النقطة الرابعة من الميثاق، وأما في النقطة السادسة فقد ذُكر فيها كلام يفيد رفض أي تبعية للخارج فلا ندري ما المراد بمصطلح الخارج هنا؟! هل المقصود به الجماعات الإسلامية -ولعله الأظهر-؟ أو الأطراف الإقليمية؟ فيكون التناقض، وإن الله قد حذرنا من مكر المشركين على مر العصور والدهور فقال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}، وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ}.
• سابعًا:
غياب مبدأ الأخوة الإيمانية وطغيان روح الأخوة الوطنية والترابية في بنود الميثاق جميعها، كما في النقطة الثالثة والخامسة والسادسة والثامنة فكلها تبث روح المواطنة والانتماء إلى التراب والوطن، وهذا مخالف لما قررته نصوص الوحي من الأخوة الإيمانية دون النظر إلى الوطن والجنس واللون ونحو ذلك، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، وقال تعالى في بيان حال أهل الكتاب: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}، ونحن في جبهة النصرة نرفض كل الرفض وبكل صراحة ووضوح هضم أو إخفاء دور الإخوة المهاجرين في هذا الجهاد المبارك، فقد قاموا بدور عظيم وكبير نصرةً لأهل الشام امتثالاً لقوله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} فلن نقابلهم إلا بالإحسان والعرفان فقد قال ربنا الرحمن: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} فنحن يجمعنا بأهل الإسلام أخوة الدين التي تسمو على كل رابطة ترابية أو وطنية، ونصرتنا للمسلمين تكون قائمة على الدين والولاء له، لا على الوطن والتراب والولاء له، فالله تبارك وتعالى قال: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}، وقال صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله”، وليعلم الجميع أن الدولة الإسلامية المنشودة التي نريدها هي الدولة التي تقوم على أساس الدين والإيمان والشريعة قبل كل شيء وعلى ذلك يكون الولاء والبراء، فلا يستوي عندنا مسلم بكافر كما قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}، وقال صلى الله عليه وسلم: “إن أوثق عرى الإيمان أن تُحبَّ في الله، وتُبغِضَ في الله”. وإن ما يؤذي إخواننا المهاجرين يؤذينا وما يصيبهم يصيبنا، ومن يهمزهم فقد همزنا، فيا أيها المهاجرون هذه أرض الشام فسيحوا فيها، وأبواب الشام ستبقى مفتوحة على مصراعيها لكل من أراد نصرتها والخير لها ولأهلها.
• ثامنًا:
نص الميثاق أن الشعب السوري يهدف إلى إقامة دولة العدل والقانون والحرية بمعزل عن الضغوط والإملاءات، وإننا لنرى الضغوط والإملاءات واضحة جليَّة في صياغة هذا البند، فنحن من أبناء أهل الشام ولنا كيان بفضل الله كبير ومنتشر في كافة أنحاء الشام ولا نريد إلا دولة تقوم على حاكمية الشريعة بلا خفاء ولا مداورة، بل ونعلنها بكل صراحة بأننا لن نقبل بأية دولة مدنية أو ديمقراطية أو أية دولة لا تقوم على حاكمية الشريعة، وهذا هو حال كثير من الفصائل المقاتلة التي نخالطها ونعيش معها وهم القسم الأكبر من أهل الشام، فأهل الشام قد أدركوا أن حاكمية الشريعة هي التي ستوفر له العدل والأمان فلا عدل ولا حرية ولا أمن ولا أمان في ظل مجتمعات لا تقوم على الشريعة قال الله تبارك تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}، ثم إن دولة العدل والقانون والحرية مطلب يطلبه أهل الإسلام واليهود والنصارى والعلمانيون والهندوس والمجوس وغير ذلك، كلٌّ يدَّعي أنه يريد دولة العدل والقانون والحرية، فلا مجال للتعميم وعدم التصريح في هذا الباب، ويُرجَع في هذه المسألة لكلمة أميرنا الفاتح أبي محمد الجولاني -حفظه الله-: (وقابل الأيام خير من ماضيها).
• تاسعًا:
إن الميثاق نص أن (الثورة السورية هي ثوره أخلاق وقيم تهدف إلى تحقيق الحرية والعدل والأمن للمجتمع السوري بنسيجه الاجتماعي المتنوع بكافة أطيافه العرقية والطائفية) ونحن نقول أن التعامل مع الفرق والأديان والطوائف في دين الله تعالى يختلف من طائفة إلى أخرى كما هو مقرر عند أهل العلم فلا يجوز المساواة بينهم، والأولى بميثاق مثل هذا أن ينص على أن التعامل مع كل طائفة يكون ضمن نصوص الشرع وضوابطه فلا نظلِم ولا نُظلَم.
وفي الختام؛ نذكِّر أننا ما كتبنا هذا البيان إلا نصحًا لله ولرسوله وللمجاهدين، كما نطالب الإخوة الموقِّعين بالرجوع عن البيان وتعديله وضبطه بألفاظ ومشاريع إسلامية واضحة بيِّنة، والله أعلم وأحكم.
وصلى الله على سيدنا محمَّد وآله وصحبه وسلم
{ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }
(( جَبْهَةُ النُّصْرَة ))
|| مؤسسة المنارة البيضاء للإنتاج الإعلامي ||
لا تنسونا من صالح دعائكم
والحمد لله ربِّ العالمين
تاريخ نشر البيان: يوم الثلاثاء 21 من رجب 1435 للهجرة، الموافق 20/ 5/ 2014
جبهة النصرة
https://twitter.com/JabhtAnNusrah