الحمد لله الذي خَلَقَ الخَلْقَ لعبادته وأمرهم بالعدل ، وأذن للمظلوم أن يقتصّ من ظالمه بالمثل.
أمـا بعــد . .
أيها الشعب الأمريكي ، حديثي هذا إليكم تذكيراً بأسباب الحادي عشر وما تبعها من حروبٍ وتداعيات والسبيل لحسمها من أصلها ، وأخصُّ بالذكر ذوي المصابين في تلك الأحداث والذين طالبوا مؤخراً بفتحِ تحقيق لمعرفة أسبابها وهي الخطوة الأولى المهمة في الاتجاه الصحيح من بين خطوات كثيرة أخطأت الطريق عن عمد خلال ثماني سنين عجاف مرت عليكم .
وحري بالشعب الأمريكي كله أن ينحو نحوهم حيث إنّ تأخُّر معرفتكم بتلك الأسباب كلفكم باهظاً بدون طائل يُذكر ، فإن كانت إدارة البيت الأبيض وهي أحد طرفي النزاع قد أظهرت لكم فيما مضى من سنين أنّ الحرب ضرورية لحفظِ أمنكم ، فإن مما يحرص عليه العقلاء أن يستمعوا إلى طرفي النزاع ليعرفوا الحقيقة ، فأعيروني أسماعكم .
فابتداءً أقول : إننا قد أظهرنا وصرحنا لمراتٍ عديدة منذ أكثر من عقدين ونيّف أن سبب خلافنا معكم هو دعمكم لحلفائكم الإسرائيليين المحتلين لأرضنا فلسطين ، فموقفكم هذا مع بعض المظالم الأخرى هو الذي دفعنا للقيام بأحداث الحادي عشر ، ولو عرفتم حجم معاناتنا من ظُلم اليهود لنا بدعمٍ من إداراتكم لهم لعلمتم أن كلا أُمَّتَينا ضحايا سياسات البيت الأبيض ، والذي هو في الحقيقة رهينة في أيدي مجاميع الضغط ولاسيما الشركات الكبرى واللوبي الإسرائيلي .
وإن من أفضل من يوضح لكم أسباب الحادي عشر هو أحد مواطنيكم العميل المخضرم السابق في السي آي ايه والذي استيقظ ضميره في عقده الثامن وقرر أن يقول الحقيقة رغم التهديدات ، ويشرح لكم رسالة الحادي عشر فقام ببعض الأعمال لهذا الغرض خاصة منها كتابه المعنون : ( اعتذار قاتلٍ بالأجرة ) .
وأما فيما يخص توضيح ما يعانيه أهلنا في فلسطين ، فقد أقرّ أوباما مؤخراً في خطابه من القاهرة بمعاناة أهلنا هناك الواقعين تحت الاحتلال والحصار ، ويزداد الأمر وضوحاً إذا قرأتم ما كتبه رئيسكم الأسبق كارتر عن عنصرية الإسرائيليين ضدّ أهلنا في فلسطين وكذلك إن استمعتم إلى تصريحه قبل أسابيع وأثناء زيارته لغزة المدمرة المحاصرة والذي قال فيه : ” إن سكان غزة يُتعامَل معهم كحيوانات أكثر من كونهم بشراً ” ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وهنا ينبغي التوقف طويلاً ، فإن مَن يحمل في بين جنبيه مثقال ذرةٍ من رحمة ، لا يملك إلا أن يتعاطف مع أولئك المستضعفين من الشيوخ والنساء والأطفال الواقعين تحت الحصار القاتل ، وفوق ذلك يصب عليهم الصهاينة قنابل الفسفور الأبيض الحارقة الأمريكية الصنع , فالحياة هناك مأساوية لأبعد الحدود , إلى درجة أنّ الأطفال يموتون بين أيدي الآباء والأطباء لنقص الغذاء والدواء وانقطاع الكهرباء ، إنها بحق وصمة عار في جبين ساسة العالم الراضون بذلك ومن والاهم من الناس ، وعن علمٍ وسابق إصرار ، وبتأثير من اللوبي الإسرائيلي في أمريكا , يُوضح تفاصيل ذلك اثنان من مواطنيكم هما جون ميرشايمر وستيفن والت في كتاب ( اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة ) ، وبعد قرائتكم للكتب المقترحة ستطلعون على الحقيقة وستصابون بصدمةٍ بالغة لحجم التضليل الذي مورس عليكم وستعلمون أيضاً أن الذين يصرحون اليوم من داخل البيت الأبيض ويزعمون أن حروبكم ضدنا ضرورية لأمنكم إنما هم يعملون على منوال تشيني وبوش ويروجون لسياسات التخويف السابقة تسويقاً لمصالح الشركات الكبرى ذات الصلة على حساب دمائكم واقتصادكم , فهؤلاء هم في الحقيقة الذين يفرضون عليكم الحروب وليس المجاهدون , فنحن إنما ندافع عن حقنا لتحرير أرضنا .
ولو تدبرتم في حالكم جيداً لعلمتم أن البيت الأبيض محتل من مجاميع الضغط وكان ينبغي العمل على تحريره بدلاً من القتال لتحرير العراق كما زعم بوش ، فمَثَلُ زعيم البيت الأبيض في هذه الأجواء بغض النظر عن اسمه كسائق قطار لا يملك إلا أن يسير على القضبان التي وضعتها مجاميع الضغط تلك وإلا عُرقل مساره وخشي أن يكون مصيره كمصير الرئيس الأسبق كندي وأخيه.
وخلاصة القول : آن الأوان أن تتحرروا من الخوف والإرهاب الفكري الذي يمارسه عليكم المحافظون الجدد واللوبي الإسرائيلي ، لتضعوا ملف حلفكم مع الإسرائيليين على طاولة النقاش ولتسألوا أنفسكم لتحددوا موقفكم هل أمنكم ودماؤكم وأبناؤكم وأموالكم ووظائفكم وبيوتكم واقتصادكم وسمعتكم أحب إليكم , أم أمن الإسرائيليين وأبناؤهم واقتصادهم ، فإن اخترتم أمنكم وإيقاف الحروب – وهذا ما أظهرته استطلاعات الرأي – فهذا يقتضي منكم العمل للأخذ على أيدي العابثين بأمننا من طرفكم , ونحن مستعدون للتجاوب مع هذا الخيار على أسس سليمة وعادلة سبق ذكرها .
وهنا نقطة مهمة ينبغي الانتباه إليها بخصوص الحرب وإيقافها وهي أنه عندما استلم بوش السلطة ونصّب وزيراً للدفاع أكبر من ساهم في قتل مليونين من القرويين المستضعفين في فيتنام ، يومها توقع العقلاء أن بوش يهيء لمجازر جديدةٍ في عهده وهذا ما كان في العراق وأفغانستان ، ثم لما استلم أوباما وأبقى على رجال تشيني وبوش من القيادات العليا في وزارة الدفاع كغيتس ومولن وبوتريوس علم العقلاء أن أوباما رجلٌ مستضعف لن يستطيع أن يوقف الحرب كما وعد بل سيماطل إلى أقصى درجةٍ ممكنة ، ولو كان له من الأمر شيء لسلَّم القيادة للجنرالات المعارضين لهذه الحرب العبثية كقائد القوات في العراق سابقاً الجنرال سانشيز وكقائد القيادة الوسطى الذي أجبره بوش على الاستقالة قبل مغادرته للبيت الأبيض بفترة يسيرة بسبب معارضته للحرب ونصَّب بدلاً منه من يسعرها من بعده .
ثمَّ إن أوباما تحت غطاء استعداده للتعاون مع الجمهوريين ، مرر عليكم خدعةً كبرى حيث أبقى على أهم وأخطر وزيرٍ من رجال تشيني لمواصلة الحرب ، وسيتبين لكم مع الأيام أنكم لم تغيروا في البيت الأبيض سوى الوجوه إلا أن الحقيقةَ المرّة هي أن المحافظين الجدد ما زالوا يلقون بظلالهم الثقيلة عليكم.
و عَوداً على ذي بدء فإن أوقفتم الحرب فبها , وأما إن كانت الأخرى فليس أمامنا بُد من مواصلة حرب الاستنزاف لكم على جميع المحاور الممكنة كما استنزفنا الاتحاد السوفييتي عشرَ سنين إلى أن تفكك بفضل الله تعالى وأصبح أثراً بعد عين ، فطاولوا في الحرب ما شئتم فأنتم تخوضون حرباً يائسةً خاسرةً لصالح غيركم لا تبدو لها نهايةٌ في الأفق .
ولقد بشركم جنرالات الروس الذين عركتهم المعارك في أفغانستان بنتيجة الحرب قبل أن تبدؤوها ، ولكنكم لا تحبون الناصحين , فحربٌ أموالها يتم اقتراضها بالربا المتغول للصرف عليها ، وجنودها منهارون معنوياً ينتحرون يومياً فراراً منها ، فهي حربٌ خاسرةٌ بإذن الله تعالى .
وهذه الحرب وصفها لكم الطبيبان تشيني وبوش دواءً لأحداث الحادي عشر ، فكانت مرارتها وخسارتها أشدّ من مرارة الأحداث نفسها ، حتى أن ديونها المركبة لتكاد تودي باقتصاد أمريكا كله ، وقد قيل : وأهون من بعض الدواء الداء .
ونحن بفضل الله تعالى نحمل سلاحنا على عواتقنا ، نقاتل قُطبَي الشر في الشرق والغرب منذ ثلاثين سنة ، ولم تُسجَّل عندنا حالة انتحار واحدة رغم المطاردة الدولية لنا فلله الحمد والمنّة ، وهذا ينبؤكم عن سلامة عقيدتنا وعدالة قضيتنا ، ونحن بإذن الله ماضون في طريقنا لتحرير أرضنا , سلاحنا الصبر ومن الله نبتغي النصر ، ولن نتخلـى عن الأقصـى فتمسكنا بفلسطين أعظم من تمسكنا بأرواحنا .
فطـاولــوا فـي الحـرب ما شئـتــم ، فوالله لـن نسـاوم عليـهــا أبـداً ..
ما تنقم الحرب العوان مني
بازل عاميـن حديـث سنـي
لمثـل هـذا ولـدتـنــي أمــي
والسلام على من اتبع الهدى .