بسم الله الرحمن الرحيم
الصومال مرة أخرى
لم يكن عند النصارى وقت كافٍ لعقد مشاورات وترتيب مسرحية إنتخابات (99.9%) هذه المرة .. لقد دخل المجاهدون “بيدوا” ، وهم على مشارف مقديشوا ، بل هم داخل مقديشوا ، وقد استرجعوا مراكز عسكرية كثيرة من أيدي فلول الحبشة المنهزمة المدحورة ..
لم يكن عند النصارى وقت : فاعلنوا عن انتخابات في جيبوتي !! بعدها بأيام ، وبدون صناديق أو لجان ، وبدون أصوات الشعب الصومالي في الصومال : انتُخب “شيخ شريف أحمد” رئيساً للصومال ، وكانت الإنتخابات ديمقراطية ، كما كانت انتخابات سلفه “عبد الله يوسف أحمد” في كينيا ، ديمقراطية !!
إنها ديمقراطية حقاً ، ولكنها ديمقراطية من نوع آخر لم تشهده أية دولة عربية أو أجنبية !! إختراع جديد : انتخابات سريعة خارج الدولة لرئيس الدولة !! لا ندري ما نسمي هذه الإنتخابات ، لعلنا نجتهد ، ونبحث ، أو ننظر ونفكّر ، نتأمّل ، نحرز …. ربما تكون !! أااه لا ندري !! لعلها !! … هممممم …
وجدتها : إنها إنتخابات “Take away” من مطعم “كنتاكي” فرع جيبوتي !!
لقد جرّبت الحكومة الأمريكية معنا كل شيء : أسلحة عنقودية ، وأسلحة فسفورية ، وقنابل خارقة للجبال ، و”إف 18″ ، و”فسوات” (صحوات) عراقية ، وكرزايات أفغانية وعربية ، ومؤتمرات ومنظمات دوليّة ، واليوم : رئيس “تيْك أويه” صومالي !!
“شيخ شريف” هو من مؤسسي حركة المحاكم الإسلامية ، واستلامه للحكم في الصومال إبان فترة المحاكم كانت لمدة قصيرة جداً كوّن خلالها بعض العلاقات الخارجية ، وظهر نجمه خلال تلك الفترة ، ولكنه اختفى لفترة بسيطة ظهر بعدها بأفكار أكثر ليونة ومرونة في التعامل مع “الحكومة الإنتقالية” التي عينتها الحكومة الأمريكية وثبّت حكمها الأحباش ..
تلقفته الأيدي المشبوهة في كل مكان لتحاورة وتُبرزه وتشهره في وسائل الإعلام ، ثم كان هو مهندس عملية السلام مقابل انسحاب القوات الأثيوبية ، ليظهر بعدها بأيام في انتخابات “تيك أويه” جيبوتية فينتخبه من لا نعرف بكيفية لا نعرفها وبنظام غير معروف : رئيساً للدولة الصومالية !!
ما ذكرناه آنفاً ليست المشكلة التي نخشاها ، وإنما المشكلة فيما هو آت مما نراه في وسائل الإعلام العربية والأجنبية ، فقد بدأ القوم يدندنون على وتر المذهبية ، فالشيخ شريف سليل الشيخ موسى العقيلي الذي أدخل الطريقة الإدريسية إلى الصومال ، فهو صوفي المذهب ، وجماعة “أهل السنة والجماعة” التي تقاتل “الشباب المجاهدين” – الذين يُنعتون بالسلفية أو الوهابية – أيظاً صوفية ، وهذه الجماعة (أهل السنة) مدعومة من قبل أمريكا وبعض الدول العربية (خاصة آل سعود الذين دعموا الهالك “جون جرنق” النصراني ، وعباس البهائي) ..
لقد أدرك الغرب عامة ، وأمريكا أخيراً : بأن النزاعات المذهبية في العالم الإسلامي هي أنجح طريقة لإضعاف وتشتيت جهود التصدي للإحتلال ، فقد استغلوا ذلك في أفغانستان ، ثم في العراق ، وفي فلسطين ، والشيشان ، فكل حركة جهادية تقوى في أية بقعة يتم تصنيفها بما يتوافق وواقع تلك البقعة : ففي أفغانستان كان الحنابلة الوهابية الذين يبغضون المذهب الحنفي ويريدون تغيير مذهب الأفغان !! وفي الشيشان : الوهابية الذين يُبغضون النبي صلى الله عليه وسلم ويكفّرون الطرقية الصوفية !! وفي العراق : الوهابية الذين يُكفّرون الرافضة !! وفي فلسطين ضربوا المجاهدين بالبهائية والعلمانية ، والآن : جاء دور الصومال ..
جماعة “أهل السنة والجماعة” الصومالية ، هي في حقيقتها “فسوة” صومالية أخت “الفسوات العراقية” ، فهي مدعومة من قبل الحكومة الأمريكية ومن قبل اليهود والأحباش وبعض الدول العربية ، وهذه الجماعة صومالية صوفية قادتها أهل عمالة وردّة ، وأتباعها مُستغفلون ، وهؤلاء أمثل أناس للتصدي للمجاهدين : فالقادة لا يمكن أن يتنازلوا عن الدولارات الأمريكية بعد ان فقدوا دولارات مريديهم ، ولو أفنوا جميع من تحت يدهم ، وأكثر الأتباع يُقاتلون عن عقيدة ، وبعضهم يقاتل من أجل المال ..
إن الحركة الشرعية الأصدق الآن في الصومال هي : حركة شباب المجاهدين ، وهي حركة إسلامية يقودها رجال ثقات ، وفي صفوفها بعض المهاجرين من البلاد القريبة ، وقد فتح الله عليهم البلاد ودانت لهم العباد ، وعرفهم أهل الصومال واستقبلوهم استقبال الأبطال في كل مدينة أو قرية يدخلونها ، فهم أهل الصدق والإخلاص ، ومن خالفهم أو قاتلهم فهو : إما من المرتزقة ، أو من أهل الغفلة والحمق ..
إن اختيار “شيخ شريف أحمد” لمهمة التصدي للزحف “الشبابي” على بقية الصومال يعد من المكر الكبير والخطير ، فالرجل له تاريخ قريب في العمل الإسلامي ، وله بعض الشعبية في الأوساط الإسلامية في الصومال ، وبعض الناس يرجو منه الخير ولا زال يثق به وبإخلاصه ، وهذا هو ما أراد الأمريكان لمّا اختاروا الرجل لهذه المهمّة : سواء برضاه أو عن غفلة منه ..
لقد تعلم الأمريكان من تجربة أفغانستان ضرورة أن يكون من ينتخبونه صاحب شعبية ومحل ثقة عند طوائف من شعبه ، فمثل هذا تكون حمايته محليّة وليست على حساب الأمريكان ، ويكون تمرير الأجندة الأمريكية عن طريقه أسهل بكثير ممن ليس له شعبية ، ولو استقبل الأمريكان من أمرهم ما استدبروا فإنهم لا يمكن أن يعينوا كرزاي ، وربما يكون اختيارهم المفضّل هو “ربّاني” أو “سيّاف” ، وهذا ما قصدته رايس عندما قالت “فوضى خلّاقة” ..
لعل المرحلة الأولى من الحرب الصومالية قد انتهت بنصر كبير للمسلمين على النصارى وأذنابهم من المرتدين ، ولكن الحرب القادمة قد تكون بين الأكفاء والإخوان ، وهذه الحرب أشد وأعظم ، وأمام المجاهدين في الصومال خيارات صعبة في المرحلة القادمة ، فينبغي عليهم أن يكونوا أشد حذراً في قراراتهم ، فالرايات ستكون مختلطة وليست واضحة كما كانت مع الأحباش ..
وليس لنا من النصح ما يجهل الإخوة ، غير أننا نحثهم على إبقاء السلاح على العواتق ، وإدراك مكر وكيد الأعداء ، وإعمال الحكمة والأناة في التعامل مع المسلمين ، وتفويت ما أمكن من الفرص على الصليبيين ، والمضي قدماً في تحرير البلاد من كل دخيل كافر يعيث فيها الفساد ، كما ننصحهم بدراسة التأريخ القريب وأخذ العبر والعظات منه ، فما حصل في أفغانستان قريب مما حصل في العراق ، وقبله في فلسطين : فالعدو واحد ، والهدف واحد ، ولا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين ..
إن على العلماء في العالم الإسلامي – عامة – واجب عظيم لتوجيه المرحلة المقبلة في الصومال ، وعلى علماء الصومال على وجه الخصوص دور أكبر لا يمكن التغافل عنه .. لقد انقلبت الصومال إلى غزة أخرى ، فقد اندحر اليهود في المعركة العسكرية وبقيت المعركة السياسية التي أطرافها العدو وأذنابه من جيران غزة ومَن يظنّ الناس صداقته وأخوّته ، فالأمر اليوم أخطر من العملية العسكرية ، القوم يريدون الفتنة ، وليس للفتنة إلا العلماء العقلاء ..
إننا ندعوا العلماء لأداء واجبهم الشرعي تجاه إخوانهم في الصومال فيبينوا للناس ويحذروا من مخططات الأعداء ومكرهم وكيدهم ، وندعوا الإخوة في الصومال إلى الحذر الشديد وعدم الإنزلاق وراء هذه الفتن ، كما ندعوا من كانت له سابقة خير أن يحفظ ما بقي من ماء الوجه ، وأن يتقي الله في المسلمين ، وأن لا يكون أداة مكر للكفار من حيث يشعر أو لا يشعر ..
نقول لشيخ شريف المنتخب بطريقة الـ “تيك أويه” :
إن كنت صادقاً في دعواك إرادة الخير للشعب الصومالي فأعلن إعادة حكم المحاكم الإسلامية في الصومال قبل كل شيء وأي شيء ، تلك المحاكم التي بناها المجاهدون بعرقهم ودمائهم حتى دمرها النصارى الأمريكان بطائراتهم والأحباش بدباباتهم ، تلك المحاكم التي أخرجك الأمريكان من بلدك بسببها ، ثم أرجعوك لمّا قويت شوكة “الشباب المجاهدين” كما أرجع اليهود “ياسر عرفات” إلى فلسطين لما قويت شوكة المجاهدين فيها ..
إن كنت صادقاً في دعواك فأعلن إقامة شرع الله في الصومال من أوّل يوم كما وعدت ، حيث قلت قبل الإنتخابات السريعة بقليل “سنحكم الشعب الصومالي بنزاهة وعدل ونرد له حقوقه” ، فالعدل والنزاهة في إقامة شرع الله ، والظلم والخيانة في تعطيل كتاب الله وسنة نبيه وتحكيم قوانين اليهود والنصارى في دماء وأعراض وأموال المسلمين ، فإن أردت العدل والنزاهة : فدونك شرع الله ، عض عليه بالنواجذ ..
أعلِن تحكيم شرع الله وطبّقه واقعاً ليطمئن الناس وليعلموا أنك لست صنيعة الصليبية الحاقدة أو الصهيونية الماكرة : فغيابك عن الساحة الجهادية ، ولقاءاتك المتكررة مع المشبوهين والعملاء ، وظهورك في الفضائيات وأنت “المجاهد” الذي أفسد بعض المخططات الأمريكية ، وخلافك مع إخوانك ، وتفاوضك مع النصارى ، ومداهنتك للمرتدين ، كل هذه الأمور رسمت على صفحتك علامات استفهام كبيرة ..
لن نستبق الأحداث ، ولن نصدر أحكاماً الآن ، ولكننا سوف ننتظر ونرى ما يفعل “رئيس الصومال” المنتخب في جيبوتي بدون أصوات صومالية في انتخابات “تيك أويه” فريدة أقرّتها الحكومة الأمريكية وباركتها بنفس السرعة التي باركت فيها قيام الدولة اليهودية في فلسطين ..
سوف ننتظر أياماً ونرى ما يفعل “شيخ شريف” : فإن عادى أولياء الله ، ووالى أعداء الله ، وحكّم غير شرع الله ، واشتغل بتحقيق مصالح المباركين لإنتخابه ، عندها نستطيع القول بأن “شيخ شريف” انظم إلى نادي “بنات هيلاري” الخائبات ..
نسأل الله أن يبقي شيخ شريف على رجولته وينأى بنفسه عن مثل هذه النوادي المشبوهة ، وأن لا يلطّخ سمعته وسمعة آبائه وأجداده الكرام بتزلّفه للنصارى والمرتدين والخونة الذين سيراهم عما قريب وهم يركضون خلف فستان “هيلاري” يقبّلون حذائها (أو رجلها إن أمكن) كي تنقل عنهم كلمات الوفاء والطاعة والمودّة والخنوع “للأسود العنسي” حاكم البيت الأبيض ..
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يحفظ إخواننا في الصومال من كل كيد ومكر ، وأن يُلهم أهلنا في الصومال الصبر ، وأن يجمع شملهم ويوحّد كلمتهم ..
اللهم اجعل كيد ومكر من مكر بأهلنا في الصومال في نحره ، وأعذ أهلنا في الصومال من شرّه ، واحفظ اللهم المجاهدين فيها وانصرهم على عدوّهم ، وابرم اللهم أمر رشد في الصومال يعزّ فيه أهل طاعتك ، ويذلّ فيه أهل معصيتك ، ويحكّم فيه شرعُك ، ويُنصر فيه دينك ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
5 صفر 1430هـ