(شبكة الرحمة الإسلامية)- تحاصر عناصر حزب الله اللبناني، تساندها قوات بشار الأسد والشبيحة، مدينة القصير وتدكها بكل أنواع الأسلحة للسيطرة عليها، وقد تلقت المدينة أكثر من 1000 قذيفة في يوم واحد، فالسماء تمطر قذائف وقنابل وبارودا على رؤوس 42 ألف شخص هم سكان المدينة، وعلاوة على ذلك ارتكبت عناصر حزب الله مجزرة جماعية، تعمق تورطه في العدوان الدموي ضد المدنيين السوريين الأبرياء.
يمكن اعتبار مدينة القصير بمثابة كربلاء سوريا، وهي تستفز الذاكرة الفردية والجمعية إلى استحضار التاريخ الغابر للمقارنة، لأن ما يجري هناك “ملحمة تاريخية” بكل ما تحمله هذه العبارة من معاني، وهي تضع “الشيعة والعلويين” في مواجهة المسلمين وجها لوجه للمرة الأولى منذ قرون، في معركة تحمل صفة “الحرب الدينية” مهما حاول البعض أن يستخدم تعابير أخرى للتخفيف من هذه الحقيقة، وهي معركة يخسر فيها حزب الله شبابه الذين قاتلوا الجيش الإسرائيلي ببسالة وانتصروا عليه أكثر من مرة، وهم الشباب الذين كنا نعتبرهم مثال البطولة التي تحتذى، لكن هذه البطولة تبخرت وذهبت أدراج الرياح وتحول الأبطال إلى “قتلة” مجرمين يدافعون عن طاغية مجرم ونظام إرهابي، مرة بحجة حماية المقامات، وكأن هذه المقامات تخص الشيعة دون المسلمين، وهي حجة ساقطة فهذه المقامات موجودة منذ 1400 سنة ولم يتعرض لها أحد، أما الحجة الثانية فهي أن دخول المعركة إلى جانب نظام الأسد الإرهابي سببه تهديد “محور الممانعة والمقاومة”، وهذه الحجة الواهية ساقطة من الناحية العملية “فلا هناك ممانعة ولا مقاومة”، وما هو موجود ثورة شعبية ضد نظام دكتاتوري، ثم بعد ذلك روج حزب الله حجة أخرى لتبرير مشاركته في المعركة ضد الشعب السوري، وهي “تهديد الوجود الشيعي”، لكنه لم يفسر من يهدد الوجود الشيعي وكيف؟ وما هي علاقة الشعب السوري بهذه القصة؟ وهي أسئلة تبقى بلا إجابات من قبل حزب الله.
تساقط حجج حزب الله الواحدة تلو الأخرى كشفت وجهه الطائفي و”حربه الدينية” واصطفافه المذهبي إلى جانب نظام بشار الأسد “البعثي اسما، العلوي حقيقة، الإرهابي فعلا، المجرم سلوكا”، مما يعني أن حزب الله أصبح شريكا للأسد ونظامه وشبيحته في الإرهاب والإجرام والقتل، بل ودفع كرة اللهب نحو إثارة أحقاد تاريخية دفينة حاول الجميع تجاوزها، وذلك بدفع آلاف من عناصره إلى الداخل السوري، وخوضهم معارك ضارية مع الثوار السوريين، خاصة في منطقة القصير التي تدفع ثمنا غاليا من دماء أبنائها الذين يدافعون عنها في مواجهة عناصر حزب الله والشبيحة والحرس الثوري الإيراني وقوات الأسد، ومن هنا فإن هذا التدخل الكبير لميليشيات حزب الله في القصير سوريا يقود إلى تحول إستراتيجي في الصراع قد ينتقل إلى الداخل اللبناني، ويشعل النار في بلد لا تنقصه المشاكل أيضا.
لكن هذه المعادلة لا تعني الاستمرار طويلا، فالقصير تحولت إلى مركز استقطاب بين مناصري الثورة والجيش الحر وبين تحالف الأسد وحزب الله وخامنئي والمالكي، وهو تحالف يمتد من إيران والعراق إلى سوريا ولبنان، مما يمهد الطريق أمام حشد أكبر عدد من المقاتلين من كل طرف لخوض “معركة حاسمة” في القصير، وعندها سيكون العنوان:” الحرب الإسلامية الشيعية”، وهي حرب ستجد صداها في باكستان وأفغانستان وإيران والعراق وسوريا ولبنان وربما اليمن” وتتحول إلى حرب دينية بوجه “إقليمي”، وهو ما تسعى له إيران على أية حال.
نظام بشار الأسد الإرهابي يقصف المدينة ويحرقها ويدمرها ويمطرها بالنار والبارود وحزب الله يقاتل على الأرض ويحشد عشرات آلاف المقاتلين الذين سحبهم من بيروت ومن جنوب لبنان، لأن المعركة ضد إسرائيل انتهت وانتقلت إلى قتال السوريين في القصير، وهو يعمل على حشد عناصره المزودين بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة داخل سوريا وفي منطقة الهرمل اللبنانية المحاذية للقصير التي يحاصرها منذ أسابيع، إلا أن حزب الله تكبد خسائر فادحة، فقد قتل نحو 120 من عناصره في يوم واحد وجرح العشرات الذين غصت بهم مستشفيات بيروت والضاحية الجنوبية، وهي خسارة كبيرة بكل المقاييس، وستكون الخسائر أكبر في المستقبل، لأن حرب العصابات وحرب الشوارع تعني خسائر كثيرة إذا كانت وجها لوجه كما يحدث في سوريا.
لا بد من الاعتراف أن تدخل حزب الله ومقاتليه في سوريا قد أجل سقوط نظام الأسد، وشكل دعما نوعيا إستراتيجيا لقوات الأسد النظامية التي لا تمتلك الخبرة في حرب الشوارع وحرب العصابات وحرب المدن، وهذا التأثير لعناصر حزب الله والحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية الشيعية مكن الأسد من التقاط أنفاسه وإلا لكان الوضع في غاية السوء بالنسبة له بعد أن وصل الثوار إلى العاصمة دمشق، لكن هذا الأمر لن يستمر طويلا، فمقابل هذا المدد من حزب الله للأسد ونظامه ربما يندفع إلى سوريا مدد من المقاتلين الذين قاتلوا في باكستان وأفغانستان والجزائر وليبيا والبوسنة والشياشان والجزيرة العربية والأردن والمغرب العربي لمواجهة “الخصم التاريخي اللدود” في سوريا.
سواء بقي الثوار في القصير أو انسحبوا منها، فإن القادم مرعب، فإذا ما انتصر الثوار في معركة القصير، فربما يغريهم ذلك بملاحقة عناصر حزب الله إلى داخل لبنان وانتقال المعركة إلى هناك، وإذا ما خسر الثوار المعركة في القصير فإن هذا سيولد استعدادا للثأر، مما يعني معركة أخرى أكثر دموية واتساعا وستشمل لبنان حتما.
معركة القصير تفتح الأبواب أمام معركة كبيرة في كل سوريا والمنطقة، الأمر الذي قد يورط الشيعة في صراع طويل دام، وبدل أن تكون المعركة بين الثورة السورية ونظام الأسد الفاسد، أو حتى مع حزب الله فقط، فقد تتحول إلى حرب ضد الشيعة الذين يمثلهم حزب الله وإيران والمالكي
حزب الله ورط نفسه وطائفته في حرب لن تضع أوزارها بسرعة، وفتح الباب لزج لبنان في أتون حرب جديدة لن تقل ضراوة عن الستة عشر عاما التي أكلت الأخضر واليابس وتركته حطاما، وأكثر من ذلك فإن حزب الله يورط طائفته في معركة وجودية “تفتح ملفات التاريخ الساخنة” من قتل عثمان وعلي والحسين وكربلاء، والتحالف مع هولاكو ضد الدولة العباسية والتحالف مع البرتغاليين ضد الدولة العثمانية، ومساعدة أمريكا باحتلال العراق وأفغانستان.. إنه ملف طويل يفتح من القصير المحاصرة التي يمطرها حزب الله حليف المجرم الأسد بالبارود والكبريت والبراميل المتفجرة..ملف لن يستطيع أحد في العالم أن يغلقه..
التدخل العسكري الكبير لحزب الله وإيران في سوريا تحول إستراتيجي سيؤثر على المنطقة والعالمين العربي والإسلامي ولن يبقى في حدود القصير أو سوريا.
المصدر: بوابة الشرق, 21 مايو 2013 م
سمير الحجاوي
)صحفي أردني(
البريد الالكترونى: [email protected]