(أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ)
(أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ)
أفجعني اليوم خبر مقتل الشيخ الدكتور عبد اللطيف بن خالد آل موسى أبي النور المقدسي رحمه الله تعالى ..
وعجبت وأنا أطالع بعض التبريرات الحمساوية والأخرى المتعاطفة معها من استرخاصهم للدم المسلم والموحد ! ومن ضربهم بعرض الحائط لكل النصوص الشرعية التي عصمت دم المسلم وعظّمتة بل ودرأت الحدود الشرعية بالشبهات من أجله ، فيما هم يضربون بشبهاتهم المتهافتة حدود الشريعة بعرض الحائط ويدرؤون بإقصائها وبتعطيلها مصالحهم التنظيمية وحكمهم الظلامي القانوني !!
عندما دعونا حماس كي تصحّح الأساس وتحكّم شرع الله ؛ نعق المجادلون عنها بأنها مستضعفة !! وأنها غير ممكّنة !! وأن المفاسد في تحكيم شرع الله كثيرة لا تقدر حماس على تحمّلها وأن الحكمة تقتضي التدرج ووو إلى غير ذلك من تبريراتهم وحججهم التي لا تصمد أمام أدلة الشرع ..
ثم في خضم هذه الأحداث وفجأة ولأجل سلطة حماس وحكم حماس ومصلحة حماس وهيمنة حماس ودكتاتورية حماس نفاجأ بتبخر جميع تلك الدعاوى والترقيعات !!
فذلك كله يذكر ويتكّثر به في سياق التبرير لحماس تعطيلها للشريعة وتحكيمها للقوانين وموالاتها للروافض والعلمانيين ، ولكنه وياللعجب يتبخر فلا تذكر حجج الاستضعاف والحكمة والسياسة والكياسة والمفاسد والمصالح حين تدك حماس مساجد الموحدين وتغتال مشايخ المجاهدين ، وتفعل – دون أدنى حرج – جميع ما يفعله طواغيت العرب حين يخرج عليهم خارج أو يعرضهم معارض !!
يا قوم أليس منكم رجل رشيد ، إن مشايخ التيار السلفي الجهادي دعوا أتباعهم ومرارا وتكرارا إلى عدم الصدام مع حماس حتى ولو كانت حكومتها مصنفة عندهم كحكومة كافرة ، وبالغ بعضهم في التلطف إلى حماس بل وتدليلها إلى حد المداهنة أحيانا لعلها ترعوي عن غيها وتعود إلى رشدها ، وللعلم فقد كانت تصلني عشرات الرسائل ؛ تسأل عن حكم حماس وحكم قتالها وحكم استهداف قادتها ، فكنت أجيب مرارا وتكرارا بالتحذير من فتح معركة مع حماس ، أو حتى الافتئات عليها بالاشتغال بتغيير بعض المنكرات إن كان ذلك سيترتب عليه منكرا أعظم يسلط حماس بسببه على الإخوة الموحدين كما تسلطت من قبل على طائفة من إخوانهم لم يرعوا يومها فيهم حرمة لكبير أو صغير أو امرأة ..
وكان إخواننا في غزة يتفهمون ذلك ويتقبلونه ، ويأتينا الرد من كثير منهم أن ذلك مما يحاذرونه ومما يتقونه ومما يتفهمونه، بل ويرضى كثير منهم ويحتمل أن يبقى مطاردا مشردا هو وأهله وأولاده على أن يشتغل بمعارك مع حماس التي تطلبه وتطارده لأجل توحيده وجهاده !! وكنا نفرح بذلك ونسعد بنضوج عقول إخواننا وتقر أعيننا بوعيهم وتبصرهم بالمؤامرات المحيطة بهم وبمكايد يهود العجم ويهود العرب عليهم و في مقدمة هؤلاء جميعا فتح المتربصة بغزة وأهلها ..
هذا كان من همومنا التي نتابعها وننبه إليها أولا بأول ؛ ولكننا لم نسمع من مرجعيات حماس ولا من قادتها من يفعل مثل ذلك مع الأتباع والرعاع الذين انضموا تحت لواء حكومة حماس لأجل الدرهم والدينار ومتابعة لمن بيده السلطة كائنا من كان ممن لم يتربوا حتى ضمن مناهج الإخوان المسلمين المنحرفة ؛ لم نسمع من قادة حماس ومرجعياتها كلمات ينبهون فيها على تحريم الدم المسلم ؛ والتأكيد على أن هدم الكعبة وزوال الدنيا كلها – وليس سلطة حماس فقط !!- أهون على الله من إراقة دم امرئ مسلم ..
فيبدو أن هذه الأمور أمورا هماشية عند حماس ومرجعيات حماس ؛ وأخص المعنيين بها مواطنون من الدرجة العاشرة ماداموا ليسوا من أتباع حماس ولا من أولياء إيران ولا من أذناب حزب اللات ..
هذه الموازين موازين جاهلية وليست إسلامية ولا نعمة ولا كرامة ؛ وهي ثمرة حتمية وخبيثة وعفنة من ثمرات تعطيل شرع الله وتحكيم شرع الطاغوت ، وهي الفتنة الحقيقية التي حذّر منها الشارع الحكيم ، وهي المفسدة الكبرى والحقيقية التي يجب أن يبادر أولا إلى درئها كي يدرأ عنا الله بذلك سائر الفتن والمفاسد ، والذين يتكلمون في هذا المقام عن الفتنة وعمن يثيرها ؛ ويوجهون سهامهم إلى التيار السلفي الجهادي ومرجعياته في غزة وخارج غزة، مدعوون كي يصحّحوا موازينهم ؛ وليعدلوا فهو أقرب للتقوى ، وعليهم أن يوجهوا نصائحهم ومواعظهم هذه إلى زارعي وحارثي وحاصدي الفتن الحقيقة بميزان الشرع ؛ لا بموازينهم هم (أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا )..
إن الدماء الزكية التي نزفت من الشيخ أبي النور المقدسي وإخوانه اليوم ، ودماء الإخوة في جيش الإسلام التي نزفت من قبل لا لذنب إلا أن يقولوا ربنا الله وحده ؛ ولا نرضى بحكمه بدلا ؛ لن نتناساها ولن نغفرها لمن أراقها لأننا لا نملك ذلك أولا فلله فيها حق ، ولأصحابها فيها حق، ولأوليائهم فيها حق ، وعلى حماس أن تؤدي لكل ذي حق حقه ، وأولى هذه الحقوق وبدونه لن تطوى هذه الصفحة ولن تصبح تاريخا منسيا يذوب في خضم المصالح العظيمة الراجحة ؛ أول تلك الحقوق هو براءة حماس من الشرك والتنديد وعودتها الى جادة التوحيد كي تدخل في دائرة الأخوة الإيمانية التي يشملها قوله تعالى (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ) ، فلأجل ذلك سفكت دماء إخواننا عند التحقيق والتمحيص ..
وبدون ذلك لن تطوى هذه الصفحة ولن ننسى دماء إخواننا التي سالت لأجل التوحيد ولا نسمح لأحد أن يصدّع رؤوسنا بمواعظه حول الوحدة الوطنية تحت راية الديمقراطية ؛ فليس في قاموس التيار السلفي الجهادي شيء اسمه وحدة إلا ما كان تحت كلمة التوحيد ؛ ولن نقبل من أحد أن يزاود علينا في الكلام في المصالح والمفاسد وهو لم يتعلم بعد مباديء هذا الفن ، ولم يعلم أن ألف باء باب المفاسد والمصالح أن يعلم أن أعظم مصلحة في الوجود هي التوحيد وأن أعظم مفسدة في الوجود هي التنديد ، ولن نرضى من أحد أن يحاضر علينا في شرر وضرر الفتنة وهو لا يفقه ولا يعلم أن أعظم فتنة هي الشرك بالله في كافة صوره ، ومن ثمن وبعد أن يتعلم هذا ويهضمه ويفهمه ؛ فليوجه نصائحه كلها لأحوج الناس إليها في غزة وهم قادة حماس وحكومتها وسلطتها ؛ والتي لم تكتفي بجهلها وهدمها لهذه الأصول وحسب ؛ بل وهدمت حتى ما تزاود به على غيرها من معرفته في فروع الفتنة والمفاسد والمصالح المرجوحةالتي تعظمها ؛ ودعاوى الحكمة والكياسة والفهم في السياسة ؛ فبادرت إلى سفك الدماء الزكية مع أن السلطة والحكم بيدها ، وكانت ولا زالت قادرة على معالجة الأمور بأشياء كثيرة يجب على ولي الأمر فعلها قبل اللجوء إلى العلاج بالقوة ؛وأعماها حرصها على السلطة وأنساها أن ( آخر العلاج الكي ) ودونه مراحل ومراحل ، فمهما قيل عن تعجل الإخوة أوتحمّسهم أو غير ذلك مما يثيره المرقعون لحماس في هذه الأوقات .. فيبقى من بيده أزمة الأمور هو المسؤول الأول والأخير عن هذه الفتنة؛ فهو مسؤول عن رعيته وفي رقبته تعلق هذه الفتنة ؛ وهو أولا من يجب أن يوجه إليه النقد اليوم والوعظ والإنكار وغيره ؛ لأن السلطة تخوّله وتمكّنه من معالجة الأمر بالمراسلة والمناقشة والحوار قبل القتال ، فإن تعسر الأمر فهناكالحصار والسجن والاعتقال والتهديد والتخويف ونحوه مما تتقنه حماس وتستعمله مع جميع خصومها ؛ إلا من تصفهم تارة بالتكفيريين وتارة بالقاعدة وتارة بالسلفية الجهادية ..فهؤلاء لا يستحقون عند حماس هذا التدرج ، وليس في قاموسها في التعامل معهم حكمة ولا سياسة ولا كياسة ولا جدال بالتي هي أحسن !! ولا نرى منها تجاههم إلا التصفية والقتل أوالتعويق بإطلاق النار على الركب ونحوها ..
ولذلك فعلاجها لهذه الفتنة لميكن شرعيا ؛ بل كان ولا زال سلطويا طاغوتيا بوليسيا نابعا من قوانينها الوضعية ، ومستظلا بديمقراطيتها الوضيعة وشرعيتها المحكومة بحكم الأكثرية !!
وقبل أن أختم كلامي هذا ؛ أحب أن تعلم حماس وغير حماس أننا لسنا غائبين عن المشهد الفلسطيني بل نحن في عمقه وفي وسطه؛ لا نغفل عنه وهو في سلم أولوياتنا ؛ نناصح لإخواننا دوما لصالح ديننا وجهادنا وأمتنا؛ ولا نغمض أعيننا عن كل ما قد يؤدي إلى معركة أو صدام لا يفيد ديننا وتوحيدنا وجهادنا وإنما المستفيد الأول والأخير منه هم يهود العجم والعرب ..
ولقد حاولنا جاهدين ولا زلنا نسعى إلى درء فتنة الاقتتال في غزة بين إخواننا وبين حماس ؛ ولكننا لا نرى من حماس السعي في ذلك بل نرى منها السعي في الاتجاه المعاكس ..
وعليه فهي المسئولة عن الفتنة أولا وآخرا ؛ ولن ينفع حماس والمدافعين عنها والمرقعين لها رد هذه الحقائق بالكذب والبهتان والتزوير والتلفيق ..
وحماس هي المسئولة الآن في غزة وعليه فهي المسئولة الحقيقية عن الفتنة أولا وآخرا وبيدها نزع فتيلها ؛ وبيدها إنقاذ أهل غزة وإخراجهم من ظلمات الفتنة الحقيقية إلى نور التوحيد ..
وإليها فليوجه المنتقدون نقدهم والواعظون وعظهم والناصحون نصائحهم ..
ولا يزكموا أنوفنا في مواعظ ونصائح حقيقتها عند التأمل ؛ وعظ الذبيحة في التزام الهدوء والكف عن الانتفاض !! لإراحة الذابح لا الذبيحة!!
الذابح في مشهد غزة هو حماس ؛ وهي من تمسك بالسكين ، وبيدها إطفاء الفتنة ..
فهل تطفئ حماس الفتنة أم أنها ستمضي في غيها ..؟
اللهم ارحم اخانا الشيخ أبا النور المقدسي وسائر إخواننا المقتولين ، اللهم تقبلهم شهداء في سبيل كلمة التوحيد ولأجل تحكيمها ، اللهم ولّ علينا خيارنا ولا تولّ علينا شرارنا وارفع مقتك وغضبك عنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ..
أبو محمد المقدسي
شعبان 1430 من هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام