أمجد خشافة
لم يكن في وقت سابق لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، قبل وبعد تشكيلة مطلع يناير 2009م بمسماه الإقليمي؛ قوة اقتصادية أو كيان قادر على حمل أنصاره المتواجدين في كل منطقة في الداخل وفي دول المنطقة، ليعتذر لهم آن ذاك “قاسم الريمي” في شريط مسجل نشرته منتديات جهادية سنة 2010م حينما أعلن عن جيش عدن ابين بعد أن قال (لا نجد ما نحملكم عليه)، أما اليوم وقد وجدت القاعدة متنفساَ في ظل الثورات العربية حين اتفقت الشعوب معها بإزالة الحكام وإسقاطهم مع اختلاف الوسيلة الا أنها شكلت لهم فسحة للاحتواء وتوسيع دائرة السيطرة وإيصال رسالتهم، فهي كما قال “انور العولقي” مطلع العام المنصرم (أن الثورات العربية أعطت للإسلاميين فسحة لتوصيل أصواتهم أكثر مما كانت عليه من قبل ..)
اليوم يظهر مرة أخرى قاسم الريمي ولم ينسى ما قاله من قبل لرفاقه في مرحلة عدم قدرة تنظيمه استقبالهم أما الآن فقد أطلق دعوه للنفير، وكأنه يقول هنا موطن النصرة ووقتها، فلا عذر لأحد، فنفر خلقٌ كثر من كل منطقة في اليمن، بل من أغلب الدول العربية على اختلاف أجناسهم، سعيا أن يكون لهم شرف القتال في أرض منبت “جيش عدن أبين” .
في هذه الفترة غيرت القاعدة إستراتيجية ظهورها أمام العالم كان عليها أن تبرز قيادات جديدة على الواجهة مادام أن الإعلام العالمي بما فيه العربي قد رسم للمجتمعات صورة دمويه عن رموزها الأولين، وحتى يتقبل المواطنون دعوة القاعدة ظهرت “باسم أنصار الشريعة” استطاعت من خلاله أن تجذب أفئدة الناس في مدينة “ابين وشبوة “وكثير من المناطق المتواجدين فيها، حتى غيرت تلك النظرة القديمة ،
وخلال تواجدنا في مدنية أبين للمرة الثانية صادفنا صحافيين يريدون يريدون معرفة عما يدور في هذه المدينة وطبيعة المعارك والحياة فيها التي يقتل فيها يوميا (العشرات من عناصر القاعدة وزعماء من نوع (كاهوا) حسب “أخبار اليوم” )
عقدنا مع أحد الإعلاميين الذي كان هو المكلف بالتنسيق مع الصحفيين لإجراء أول مؤتمر صحفي يقيمه تنظيم القاعدة في اليمن،
انتظرنا الى يوم السبت 20-1- 2012م حيث كان موعد المؤتمر الصحفي مع “حمزة بن محسن المرقشي” كما يسميه رفاقه أمير ولاية أبين الإسلامية، كان لقاءنا الأول في منطقة “جعار” التي غُير اسمها إلى”وقار” ..
قال لنا من كن برفقتنا أن المكان سيكون في “زنجبار” بمعنى أننا سنكون على مقربة قاذفات “الديسي” وراجمات الصواريخ الطائشة، وبالفعل ما إن وصلنا إلى زنجبار ودخلنا في مكان تتواجد فيه الأشجار بكثافة – تقريبا الساعة العاشرة صباحا- حتى تناهت في أسماعنا أصوات معركة ضروس تدور في تلك الأثناء على مشارف “زنجبار”..
ولكن كأن الشجرة العملاقة التي استظلينا تحتها؛ أعطتنا فسحة لاستذكار ما أعددناه من أسئلة ألقاء بعد أن فرقتها أصوات المعركة،..
جلسنا ونحن ثلاثة صحفيين أنا والزميل أنيس منصور ووجدي الشعبي ..فزرعت أمامنا كاميرات تسجل اللقاء تابعة لهم واستقبلنا أميرهم حمزة المرقشي…
حاولت أن أبتدئ بالسؤال.. فقاطعني السؤل الإعلامي وقال نريد أن تكون الأسئلة على الدور وبترتيب ومن جهة اليمين.. وكلا يقتصر على ثلاثة أسئلة..، وهكذا حتى يأتي دورة أخرى، كنت أضن أنني سأستبق بالسؤال عن زملائي كما يفعله الصحفيين في المؤتمرات المعتادة فكانت البداية من الزميل وجدي ثنم الزميل أنيس ثم كان دوري بعدهم… وهاكم تفاصيل 40 دقيقة في مؤتمر صحفي مع تنظيم القاعدة .
المراحل الأولى من السيطرة
في البداية يقول “جلال المرقشي” نحن قاتلنا “على صالح” لعدة أسباب كان السبب الرئيسي هو عدم تحكيم شرع الله طيلة حكمة، وتغييب العدل والأمن، ولو أنه حكم شرع الله وطبقها في الواقع لما قاتلناه، وكذلك من سيأتي بعدة، والمعارضة كذلك إن حكموا شرع الله فلن نقاتلهم،
وعن الشباب الذين خرجوا ضد النظام يقول ( إن كان شباب الثورة قد خرجوا فنحن أصحاب ثورة أيضا اتفقنا في الهدف واختلفنا في الوسائل وعندما سقطت مناطق من مدينة أبين بيد جماعة أنصار الشريعة, تعرضت لقصف، -لاسيما في زنجبار وجعار- بالأسلحة من قبل قوات النظام تسبب في تدمير البنية التحتية للمدينة، حيث استخدم الطيران أسلوب استهدف جميع المرافق الحكومية والمنشأة العامة والمدارس والجامعات والمصانع ..
ولكن حسب ما يقوله أنهم استطاعوا أن ينجز أنصار الشريعة بعض الخدمات الأساسية للمواطنين من ضمنها الجانب التعليمي، التي كانت قد توقفت المدارس على إثر الأحداث، وقد حاولت الجماعة خلال الفترة السابقة إضافة إلى الجانب التعليمي أن تفعل الخدمات الصحية، حيث تم تفعيل المستشفيات فاستقبلت المصابين والمرضى من أهالي المدينة من دون مقابل، ولأن الدولة لا تريد الجماعة أن تستغل المرافق الحكومية من بينها المستشفيات، فقد عمدت على قصف مستشفى الرازي الذي كان متواجد في تلك الأثناء الزميل عبد الرزاق الجمل في تغطيته الصحفية ..
وبهذا تسخر الجماعة من المعارضة حينما تقول أن أبين سلمت من دون مقاومة، ومنطقتهم في ذلك إن كان النظام كذلك، فلا يمكن أن ترضى الولايات المتحدة الأمريكية بتسليم مدينة لمن باتوا يهددون مصالحهم في المنطقة، ولذلك يقول “حمزة” (أن إصرار المعارضة على هذا التضليل يمكن للعاقل أو المطلع على الوضع في أبين -حسب قولة – يدرك أننا على حرب متواصلة مع النظام منذ سنين فكيف تجتمع النقائض)،
وإذا كان الجيش حسب ما يُقال أنه تابع للثورة اليمنية مرابط على في زنجبار لم يستطع حتى اللحظة أن يتقدم شبرا واحدا ويقاتلون من وراء جدران معسكراتهم فلماذا لم يقال أن أنهم متواطئون ..؟
إستراتيجية جديدة للقاعدة
بعد أن تم إحكام السيطرة على جميع مناطق أبين بطريقه (مباشرة وغير مباشرة ) كما قاله “المرقشي” في حوار سابق أجريته معه، فقد مثـُل أنصاره إلى تقديم الخدمات العامة للمواطنين وتحسين الحياة المعيشية في المناطق التي غابت عنها الدولة طيلة عشرين عام منذ تحقيق الوحدة، ولهذا كشف أمير مدينة أبين في اللقاء عن إستراتيجية جديدة تخُطها جماعته حاليا وهي تطبيق الشريعة الإسلامية وإرساء الأمن وإقامة العدل بحيث تكون مدنية أبين نموذجا فريدا ثم يتم تعميم هذا النموذج على بقية المناطق، في الإستراتجية شبيهه بما فعلته حركة طالبان في أفغانستان وحركة الشباب المجاهدين في الصومال، وفعلا فخلا تواجدنا في جعار، رأيت أحد المسنين يتحاور مع أحد من كان برفقنا.. وبعد أن انتهى من الكلام معه قال أتدرون من أين أتى هذا الرجل؟ قلت من أين؟
فقال هذا أحد الأعيان من منطقة “أحور” الواقعة في أقاصي مدينة أبين من الجهة الشرقية، أتى مفوضا من منطقته ليطلب من أنصار الشريعة بأن يأتوا الى أحور لكي يخلصوهم من بعض قطاع الطرق الذين أرهبوا الناس، وفي حوزتهم بعض الممتلكات التي اغتصبوها من المواطنين، عارضا عليهم دخول المنطقة لتأمين الناس في حياتهم..، وهذا ما قد يُمكن جماعة أنصار الشريعة من التوغل بين المواطنين أكثر وبقاء قاعدتهم على هذه المناطق يعطيهم فترة أطول فيما اذا كانت الدولة تريد استرجاعها .
نقطة ألا عودة
يمكن القول أن الحكومة المقبلة ستواجه أعنف المعارك فيما كان خيارها القتال مع القاعدة، ولذلك لأن الحرب التي خاضها عناصر القاعدة من نهاية مايو من العام الماضي – أي أكثر من 8 أشهر- قد تدرب على الحرب خلالها مجاميع كثيرة من المنتسبين الجدد للتنظيم، وواجه المقاتلين حرب عنيفة في منطقة “دوفس” التي يتفاخر بها كل من قاتل ورابط بها طيلة أربعة أشهر من الحصار على اللواء 25 ميكا حتى تم انسحاب المقاتلين في 10 ديسمبر المنصرم، وقد تدرب المقاتلين على جميع الأسلحة العسكرية الخفيفة والثقيلة واستطاع المقاتلون أن يصدوا أكثر من 5 ألوية عسكرية، حاولت الدخول لفك الحصار على اللواء 25 ميكا، ولأن المقاتلون يعتمدون على حرب العصابات التي لا تعتمد على الأسلحة الثقيلة وإستراتيجية الاستنزاف؛ فقد كانت مدة ثمانية أشهر من الاستنزاف الجيش في زنجبار كفيله بإنهاكه حسب توصيف جلال المرقشي، وعن القوة التي يمتلكها أنصاره يقول (لقد وصلنا إلى مرحلة توازن بيننا وبين الجيش في القتال وصمودنا مازال في أوجه بحيث وصلنا إلى مرحلة إلا عودة لأن جهادنا سابقا كان جهاد نخبة ولا يمكن أن نرجع إليه لأن الجهاد الآن أصبح جهاد الشعب) ..
تــنازلات
في أحد الأسئلة التي سألها الزميل “أنيس منصور” عن علاقة القاعدة بالنظام وكيف تـُنظر في وسائل الإعلام على أن ما يدور في أبين مجرد لعبه لدحض الثورة اليمنية…، يشرح حمزة عن طبيعة المعارضة (التي قدمت خلال فترة الأحداث في اليمن حيث لم يكن ليتجرأ أن يعلن صالح من قبل عن تنازلاته بالعلن للولايات المتحدة الأمريكية كما تفعله الآن المعارضة على حد قوله وإن كان صالح قد فتح الأجواء لها، فالمعارضة قد مدت أكثر ووعدت لأمريكا أن تدخل إلى اليمن فعليا عبر وسائل الإعلام) ،
ولكن تبقى المعركة الدائرة ضحيتها المواطنين النازحين المرهون رجوعهم إلى بيوتهم بوقف الحرب ولهذا سألنا عما إذا تقدمت الحكومة بالحوار يقول حمزة (هناك خطوط حمراء لا يمكن الحوار عليها مثل تحكيم الشريعة، أما غير ذلك فيمكن ولكن حسب شروط .
رسالة أخيرة
بعد مرور أكثر من نصف ساعة من المؤتمر الصحفي الفريد في أسلوبه النادر مع شخوصه المريب في مكانه طرحنا سؤال أخير يختتم به اللقاء قبل أن تصلنا قذيفة طائشة أو صاروخ فتاك من طائرة تجسسية، فتقدم برسالة كانت أولها إلى الإعلام، حيث أظهر استيائه وعجبه من خلال الفترة الماضية التي كان فيها تعتيم علامي عما يدور في أبين حسب قولة.. وأن الإعلام على الصحافة الآن أن تتقي الحقيقة وأن تكون مرآة للواقع دون زيادة، سواء كان لنا أو علينا..، والصحفي هو بين أمرين “إما أن يكون شاهد زور أو سيد الشهداء”…
نظر كلاَ منا للآخر فابتسمنا جميعا فشكرنا “جلال المرقشي” على حرصنا لمعرفة المعلومة من مضانها ومن قلب الحدث مؤمل أن ننقل الواقع كما هو… وشكرناه نحن أيضا على تقبله اللقاء رغم معرفتنا باستنفارهم الأمني الدائم… والسلام
المصدر : شبكة أنصـار المجـاهدين
http://as-ansar.com/vb/showthread.php?t=55506