بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، أحمده في الأولى والآخرة ، وأصلي وأسلم على خير خلق الله ، محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ، “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار” ، أما بعد :
فهذه بعض القواعد في التكفير ، نقلتها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، حتى تكون معينة للباحث السلفي في بحثه ، وتكون مفتاحاً لإخواني أصحاب دعوة التوحيد السلفيَّة المُنيرة ، وأرحب بإضافات الإخوة الباحثين السلفيين ، إن كان لديهم إضافات ، فاجتهادي في جمع أقوال شيخ الإسلام في هذه المسألة هو عمل يجوز فيه الخطأ والنسيان والنقص .
ولقد طرحت الموضوع على شكل عناوين ، وذكر النقول المناسبة لتلك العناوين تحت كل واحد منها ، فأبدأ مستعيناً بالله ، وهو حسبي ونعم الوكيل :
==========
التكفير حكم شرعي ، لا يجوز إعماله إلا بالأدلة الشرعية ، وليس من الحقوق الشخصية ، فمن كفّرنا لا يجوز لنا أن نُكفِّره لتكفيره لنا :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
( فإن الكفر والفسق أحكام شرعية ، ليس ذلك من الأحكام التي يستقل بها العقل ) مجموع الفتاوى 19/212 .
وقال أيضاً :
( فاعلم أن مسائل “التكفير والتفسيق” هي من مسائل “الأسماء والأحكام” التي يتعلق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة ، وتتعلق بها الموالاة والمعاداة والقتل والعصمة وغير ذلك في الدار الدنيا ، فإن الله سبحانه أوجب الجنة للمؤمنين ، وحرم الجنة على الكافرين ، وهذا من الأحكام الكلية في كل وقت ومكان ) مجموع الفتاوى 12/468 .
وقال أيضاً :
( وأهل السنة لا يبتدعون قولاً ، ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ ، وإن كان مخالفاً لهم مستحلاً لدمائهم ، كما لم تكفر الصحابة الخوارج ، مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفين لهم ) . مجموع الفتاوى 19/212 .
==========
التكفير لا يكون إلا بدليل يقيني ولا يكون إلا بعد إقامة الحجة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
( وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة ، وتبين له المحجة ، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك ، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة ، وإزالة الشبهة ) مجموع الفتاوى 12/466 .
وقال أيضاً :
( الكفر حكم شرعي ، وإنما يثبت بالأدلة الشرعية ، ومن أنكر شيئاً لم يدل عليه الشرع بل عُلم بمجرد العقل لم يكن كافراً ، وإنما الكافر من أنكر ما جاء به الرسول ) مجموع الفتاوى 17/78 .
==========
لا يجوز تكفير المتأوِّل في تحريم الحلال وتحليل الحرام ، أو الجاحد للفرائض الأربع ، حتى تُبيَّن له الحُجة والمَحَجة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
( وقد تنازع الناس في مُخالِف الإجماع ، هل يكفر ؟ على قولين .
والتحقيق : أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه ، لكن هذا لا يكون إلا فيما علم ثبوت النص به .
وأمَّا العِلمُ بثبوت الإجماع في مسألة لا نص فيها فهذا لا يقع ، وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره ) مجموع الفتاوى 19/270 .
وقال في موضع آخر ما يكون استدراكاً لهذا الكلام :
( ثم ذلك المحرِّم للحلال والمُحلل للحرام ، إن كان مجتهداً قصْدهُ اتباع الرسول لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر ، وقد اتقى الله ما استطاع ، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه ، بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه .
ولكن من عَلِمَ أن هذا خطأ فيما جاء به الرسول ثم اتبعه على خطئه وَعَدَلَ عن قول الرسول ، فهذا له نصيب من الشرك الذي ذمه الله ، لاسيما إن اتبع في ذلك هواه ونصره باللسان واليد ، مع علمه بأنه مخالف للرسول ، فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه ) . أهـ مجموع الفتاوى 7/71 .
وقال عن جاحد الفروض الأربع :
( وأما الفرائض الأربع فإذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة فهو كافر … ) مجموع الفتاوى 7/609 .
==========
من هم الذين لم تبلغهم الحجة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
( وأما من لم تقم عليه الحجة ، مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام ، أو نشأ ببادية ، لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك ، أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يُستثنون من تحريم الخمر ، كما غلط الذين في الذين استتابهم عمر ، وأمثال ذلك ، فإنهم يُستتابون وتقام عليهم الحجة ، فإن أصروا كفروا حينئذٍ ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك ، كما لم يحكم الصحابة بكفر قدامة ابن مظعون ، وأصحابه لمّا غلطوا فيما غلطوا فيه من التأويل ) مجموع الفتاوى 7/610 .
==========
التأويل لا يرفع عقوبة الدنيا :
فهذه مسألة خطيرة ، وكما سيأتي ، فقد بيّن شيخ الإسلام رحمه الله أن المتأول في ترك الواجب أو فعل المحرم هو أحسن حالاً من الكافر المتأول ، ثم بيّن أنّ تأويل الكافر لا يمنع عنه العقوبة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
( وهذا الذي ذكرته فيما تركه المسلم من واجب ، أو فعله من محرم بتأويل اجتهاد أو تقليد ، واضح عندي ، وحاله فيه أحسن من حال الكافر المتأول .
وهذا لا يمنع أن أقاتل الباغي المتأول ، وأجلد الشارب المتأول ، ونحو ذلك ، فإن التأويل لا يرفع عقوبة الدنيا مطلقاً ، إذ الغرض بالعقوبة دفع فساد الاعتداء ، كما لا يرفع عقوبة الكافر ) أهـ . مجموع الفتاوى 22/14 .
==========
التكفير لا يكون إلا بعد إعمال الشروط والتحقق من انتفاء الموانع :
لقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، أن أهل السنة وعامة أئمة الحديث يكفّرون الجهمية الذين يقولون إن القرآن مخلوق وأن الله لا يُرى في الآخرة ، ولكنه ذكر أن الإمام أحمد لم يُكفّر الخليفة الذي كان يقول بهذا ويلزم الناس به ، وذلك لأن الشروط لم تتحق فيه ، وأيضاً ورد عن الإمام أنه كفّر أقواماً بأعيانهم وذلك لأن الشروط قد تحققت فيهم :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
( المشهور من مذهب الإمام أحمد وعامة أئمة السنة تكفير الجهمية ، وهم المعطلة لصفات الرحمن ، فإن قولهم صريح في مناقضة ما جاءت به الرسل من الكتاب ، وحقيقة قولهم جحود الصانع ، ففيه جحود الرب ، وجحود ما أخبر به عن نفسه على لسان رسله … ) إلى أن قال :
( ثم إنَّ الإمام أحمد دَعَا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه ، واستغفر لهم ، وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر ، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم ، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع .
وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يُكفِّروا المُعيَّنين من الجهمية الذين كانوا يقولون : القرآن مخلوق وأن الله لا يُرى في الآخرة ، وقد نُقل عن أحمد ما يدل على أنه كَفَّرَ به قوماً مُعيَّنين ، فأما أن يُذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر .
أو أن يحمل الأمر على التفصيل . فيقال : مَن كَفَّرَ بعينه ، فَلِقِيامِ الدليل على أنه وُجِدَت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه ، ومَن لم يُكفِّر بعينه ، فلانتفاء ذلك في حقه ، هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم ، والدليل على هذا الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار .
أما الكتاب فقوله سبحانه وتعالى { ولا جناح عليكم فيما أخطأتم به } ، وقوله تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : “أن الله تعالى قال : قد فعلت” لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بهذا الدعاء .
وإذا ثبت بالكتاب المفسر بالسنة أن الله قد غفر لهذه الأمة الخطأ والنسيان فهذا عام عموماً محفوظاً ، وليس في الدلالة الشرعية ما يوجب أن الله يعذب من هذه الأمة مُخطئاً على خطئه وإن عذب المخطئ من غير هذه الأمة )
إلى قوله :
( فمن كان قد آمن بالله ورسوله ، ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول ، فلم يؤمن به تفصيلاً ، إما أنه لم يسمعه ، أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها ، أو اعتقد معنى آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به ، فهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله وبرسوله ما يوجب أن يثيبه الله عليه ، وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التي يُكفَّر مُخالفها ) . مجموع الفتاوى 12/485 .
Source : SalafiMujahed.Blogspot